اقتصاد السُّخرة

أخبار البلد- «إذا كان راتبك يكفيك لتأكل وتنام، فهذا ليس عملاً، في الماضي سموه عبودية» – جورج أوريول.
تدرس ابنتي التصميم المرئي، تحتاج في دراستها إلى برامج التصميم، في السابق كنا نشتري هذه البرامج، ولكن هذه الأيام يتم تأجير البرامج، أي تدفع اشتراكًا شهريًّا لقاء استخدام تلك البرامج، وإذا انتهت السعة التخزينية لجهازك الخلوي على الغيمة، فإنك تستأجر مساحة تخزينية شهرية، وعلى جهازك الإبل فإن بعضًا من الألعاب تستأجرها وتدفع قسطًا شهريًّا مقابل ذلك.
هذه هي صيغة الاقتصاد الجديدة، التي تذكرنا بعصر الإقطاع حين كان يملك الإقطاعي مساحات كبيرة من الأرض، يستأجر السُّخرة أراضي من عنده ويدفعون له عند كل موسم حصته وهي النسبة الكبرى، ويبقى لهم عائد يكفي بالكاد للبقاء على قيد الحياة.


هذا النظام بدأ بالظهور في العالم مرة أخرى، والإقطاعيون هذه المرة هم الشركات الكبرى، والسُّخرة بالطبع هم نحن.
العالم مُقبل على الاحتكار، فشركات الغذاء لا تتعدى الثلاثة شركات، وشركات بيع التجزئة لا تتجاوز أصابع اليد، وهنالك شركات استثمارية مثل بلاك روك تبلغ استثماراتها العشرة تريليونات دولار، أو شركة وارن بافت بيركشاير، التي لديها سيولة خمسمائة مليار دولار، وتستثمر هذه الشركات في جميع الشركات وتحكمها، والكبير يأكل الصغير.
اقتصاد السُّخرة أو العبودية هذا قائم على مبدأ تحويل السلع إلى استثمارات أو أصول، قابلة للإيجار.
سأحاول توضيح الفكرة:

لو ذهبت لشراء مرتبة، سعرها في المتوسط مائة وخمسون دينارًا، ستأتي شركة على غرار بلاك روك، وتشتري إنتاج مصانع المرتبات فلديها المال لذلك، وأي مصنع يضمن بيع إنتاجه كاملاً سيوافق على سعر منخفض، سيضع محتكر المرتبات سعرا نقديا لها ثلاثمائة دينار، أو تستطيع استئجارها بعشرة دنانير شهريًّا لخمسة أعوام، فسيكون عائد المحتكر ستمائة دينار لقاء إيجار المرتبة.

أكبر الأغنياء وأكثرهم نفوذًا لديهم معرفة كاملة بما هو قادم، فقبل فترة قرأت خبرًا من أن ملكة بريطانيا الراحلة استثمرت عشرة ملايين جنيه في شركة برايت هاوس لتأجير الأثاث، التي تقوم بتأجير الأثاث بأعلى ثلاث مرات من سعره النقدي السوقي.

مصلحة البنوك أن تقرض الشركات الكبرى بدلاً من إقراض الأفراد، جرب أن تذهب لأي بنك للحصول على قرض لإنشاء مشروع عبقري، لن تأخذ فلسًا واحدًا!

سيصبح كل شيء قابلاً للإيجار، السيارة والشقة والأحذية والملابس والأجهزة الكهربائية والأثاث، وجميع متطلبات الحياة، ستأخذ راتبك السخيف وسيتوزع على كل هذه السلع والخدمات، وقد يبقى لديك أو لا يبقى لتأكل وتنام.

هذا النموذج الاقتصادي الذي بدأ بالتشكل، مبني على الإيجار مقابل الحياة، فكل شيء سيصبح أصلاً قابلاً للاستثمار، لن تستطيع امتلاك أي شيء، فراتبك بالكاد يمول السلع والخدمات المستأجرة، فعهد الامتلاك قد ولى للأبد.

ستصنف المجتمعات إلى صنفين لا ثالث لهما: قلة قلية محتَكِرة تمتلك كل شيء هم الإقطاعيون، والباقي عبيد لهم، يسمون بالمستهلكين أو الموظفين أو المستأجرين، لا فرق فالمهم أنهم يعملون عند الإقطاعيين!
تذكروا هذا الكلام جيدًا، فبحلول عام 2050 لن نمتلك شيئًا!