أما آن لباشا حزبي أن ينقرض!
في عام 2006 تشرفت بإعداد موسوعة الأحزاب والحركات السياسية في الوطن العربي، والتي إستغرق إعدادها قرابة الثمانية شهور، وعانيت الأمرّين في تجميع معلوماتها، حيث إعتبرها كثيرون من المثقفين والباحثين مرجعاً علمياً في المكتبات العربية، كونها تغذّي الباحثين بشتّى المعلومات التي تتعلق في الحياة السياسية في الوطن العربي.
وكنت لحظة إعدادها متشوّقاً للبحث والكتابة لأكشف بالتحديد ماهية أحزابنا وحركاتنا السياسية العربية والأردنية، لكني فوجئت بعد أشهر قليلة من إعدادها بصدور قانون جديد للأحزاب في الأردن، إذ حلّت وزارة الداخلية الأحزاب القائمة آنذاك وطالبتها بتصويب أوضاعها للدخول إلى معترك الحياة السياسية بحلّتها الجديدة. وبالفعل تمّ ذلك، إذ أخذ البعض بالمبادرة إلى الترخيص، وعلى مدى حكومات تعاقبت في عهد الملك عبدالله الثاني، لم يـَسجل للأحزاب السياسية دوراً حقيقياً في عملية التنمية السياسية، ووفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية فإنً هناك 22 حزباً سياسياً أردنياً على الساحة السياسية. وأسفي على تدهور الحياة الحزبية في الأردن، وأختزلها بالسبب الرئيس الذي اعاني منه كباحث ومهتم ومراقب للشأن السياسي والحزبي، بولوج آفة " الباشا حزبي".
حقيقةً، لم يعد بمقدورنا تحمّل تلك الآفة، والتي تكرّس مفاهيم الشخصنة والديكتاتورية بالإضافة إلى جنون العظمة، عند أمناء عامّي أحزابنا الأشاوس. بصراحة لم أعد أدرك ضرورة صياغة النظام الأساسي للأحزاب، حيث يقدّمه القائمون على الأحزاب لوزارة الداخلية، وبعد أن توافق الوزارة على الترخيص، يعلن الحزب عن ترتيب أوراقه، ويكثر من صياغة برامج العمل الساخنة، ولكنها تصطدم بواقع معطّل حيث تظلّ حبيسة الأدراج دون تنفيذ، وهذه هي الكارثة الأولى التي تنخر في جسد العمل الحزبي. أما الكارثة الثانية لتلك الآفة اللعينة فهي"التزكية" حيث تعتبر قبلة الأعضاء عند إختيار أمين عام حزبهم، وحتّى إختيار أعضاء الفروع لبعض الأحزاب تتم بالتزكية!!
ونأتي على الكارثة الثالثة، عندما يطلب من عطوفة "الباشا حزبي" إعداد تقرير سنوي أو نصف سنوي عن إنجازات الحزب ونشاطاته، يتلعثم ويخرج من مأزقه بإلقاء تلك المهامّ على لجان الحزب أو مكاتبه!!، ودوره هو لايتعدّى كونه صنماً لايتزحزح عن مقعده، ولسان حاله يقول مستهزئاً "هو أحسن مني بشّار!!".فمالفرق بيني وبين زعيم عربي؟؟ "عفواً فهذه ديمقراطية باشا حزبي".
وكم يؤلمني تشابه التسميات الحزبية بالرغم من تشابه برامجها، فعلى سبيل المثال لماذا لاتتوحد الأحزاب الإسلامية في بوتقة واحدة، أو الليبرالية في بوتقة أخرى؟، ولماذا الأحزاب الوسطية لازالت في خبر كان؟، فعندما يبادر أي حزب لتسجيل نفسه في وزارة الداخلية تجده يسارع بل ويتصارع ليؤكّد على أنه "وطني" عبر إضافتها في إسم الحزب، ليصبح بذلك المشهد السياسي الحزبي الأردني صرعة "وطني"، فهناك حزب التيار الوطني، وحزب الإتحاد الوطني، والحزب الوطني الأردني، والحزب الوطني الدستوري، وحزب الشباب الوطني الأردني، فأتساءل فر قرارة نفسي: إذا كانت تلك الأحزاب كلها تتبنى الخط الوطني، فلماذا لايندمجون في حزب سياسي واحد؟؟ ولماذا وافقت وزارة الداخلية على ترخيصها من الأساس ؟، ولا أنسى كذلك أنّ هناك أحزاب أخرى حصلت على الموافقة الأولية مثال: جبهة العمل الوطني الأردني، وحزب المؤتمر الوطني الأردني(حزب المتقاعدين العسكريين).وكلّها كما ترون فيها كلمة وطني.
وأضرب مثالاً آخر على تزاحم الأحزاب على المفاهيم عند إفتقارها تماماً للأطر المرجعية، مفهوم "العدالة" مثلاً، إذ يوجد أحزاب تم ترخيصها وأخرى تنتظر دورها مثل العدالة والإصلاح، والعدالة والتنمية، والعدالة والحرية. فلا أعلم مرّة أخرى لماذا تتزاحم تلك الأحزاب على الكلمات دون تحديد أطر مرجعية حزبية؟
إن تلك الأحزاب خدعت قواعدها الشعبية، وكون تلك الأحزاب "وطنية" أوجّه لهم سؤالي:
"أين أنتم يا أحزابنا من إضراب المعلمين؟أألهاكم السيجار؟ أو فخامة المكتب؟ أو الإجتماعات المغلقة؟ ألم يكن بوسعكم إقتراح حلول عملية لإنهاء الإضراب؟ ولماذا لم تقدموا برامجكم الساخنة بصيغة عملية لمكافحة الفساد الذي يتغلغل بين ظهرانينا؟ بعد كل هذا إذا كانت أحزابنا غير مسوؤلة عن قضايا خطرة تصيب المواطن فعن أي أحزاب نتكلم؟ وماذا نجني نحن من بياناتكم ؟وأين ذهبت برامجكم العملية إزاء ذلك؟".
وما أود قوله بأنّ وزارة الداخلية تتحمل مسوؤلية إنتشار ظاهرة الباشا حزبي لأنّ مجموع مايصرف على أحزابنا مايقارب 2 مليون دينار أو أكثر سنوياً،كان لو تبرّع حزب واحد بميزانية مالية خصصت لرفد المعلمين والشعور بمعاناتهم ووقفتم بجانب الحكومة. لكنّا صدّقنا وراعينا كلمة وطني.
وكان المطلوب منكم التدخل في إنهاء أزمة المعلمين وحسم إضرابهم ولكن الواقع قال عكس ذلك، إذ ثبت أنّكم تتصيدون في ماء الحكومة العكر ولو بعثرة واحدة من أجل تمرير مصالحكم الشخصية، وأنّكم وضعتم الوطن في سلّة المهملات، فالمؤيد هو وطني والمعارض هو وطني والذكي من يعمل لوطنه لا لجيبه.
وبإعتقادي، لم يكن ذلك الإضراب سوى إختبار وطني لكم أيتها الأحزاب التي تدّعي"الوطنية"، مع شديد إحترامنا لكوادر تلك الأحزاب ممن هم قمّة في العلم والثقافة، ومنهم أيضاً أصحاب روؤس أموال وأصحاب معالي وعطوفة وأعلام عسكرية ذات رتب عالية..فأين ذهب الوطن يا باشا حزبي؟.
وكما أسلفت سابقاً، لو تدخّل جلالة الملك في الإضراب وحلّها وأنصف المعلمين، لتمثّل دوركم حينها بتثمين الخطوة الملكية،وكأن مهمّتكم كأحزاب سياسية هي إصدار البيانات وتثمين المواقف الحكومية والرسمية، ولكن في بلد يعاني الكثير من الأزمات نرى الملك فقط هو الذي يتدخلّ من أجل الجميع، ولكن أحزابنا بنظر الوطن أعتبرها جزء من منظومة الكومبارس.
فيجب على أحزابنا أن تصحوا ضميرها وتضع هموم الوطن وإعتباراته فوق كلّ إعتبار ..راجياً أن لا تتاجروا بالعملية الإصلاحية بعد الآن . لأنّ الأحزاب ليس فقط لقوانين الإنتخاب بل لمحاكاة واقع الوطن والمواطن في شتّى المجالات الحياتية، فأقسم أنّه ينطبق عليكم المثل القائل:"قال متى بنى القصر أمس العصر" فهل تتوقعون من الباشا حزبي بناء هذا القصر؟