اعتصام السفارة الإسرائيلية ...موقف الأمن في الميزان
كيف يمكن تفسير تعرض كبار ضباط الشرطة للاعتداء والإصابة دون إبداء مقاومة للدفاع عن أنفسهم في موقعة الاعتصام الأخير أمام السفارة الإسرائيلية في عمان ؟ ولماذا ترك الجناة بلا قصاص ؟.
لا يملك مدير الأمن العام حق الصفح عمن يعتدي على رجال الأمن وإعاقة أعمالهم .وليس له تجاهل الحق العام بمعاقبة الجناة حتى لا يتكرر الحدث ويصبح ظاهرة تغري الكثير من المتربصين بمزيد من الاعتداء . وكان عليه ان يحافظ على منجزاته الكبرى التي حققها خلال قيادته للجهاز ،ويوعز بالقبض على من ضربوا الضباط وتقديمهم للقضاء .. أما التقاط المعلمة والفتية الثلاث من بين جمهور المعتصمين وتقديمهم للقضاء بتهم منفصلة عن ذلك الاعتداء ، فهو اقرب ما يكون إلى النكتة ،وكان محلا للنقد الشديد.
صحيح أن الباشا أثرى التجربة الأمنية الأردنية ،وتخطي بحكمته واتزانه كل العقبات في زمن يجعل الحليم حيرانا ، وأضاف قيمة إستراتيجية زادت مخزون السمعة الطيبة للجهاز في الداخل والخارج فبقي حارسا ووفيا للمواطن رغم كل التحديات ، يضاف إلى ذلك الحافظ على الروح المعنوية العالية لمرتباته في هذه الظروف الصعبة ،وفي القدرة على الإمساك بالعصا من المنتصف ،لإدامة التوازن بين المحافظة على هيبة الجهاز وتمكينه من تنفيذ واجباته من جهة .وبين مواجه زخم هستيريا عنف الجبناء المتسللين الذين طالما غدروا رجال الأمن بهدف الإساءة لمسيرة الإصلاح التي يتقدمها جلالة الملك ،وإفشال حركات التغيير ومحاولة تحويل الأردن إلى مستنقع دم.
أجاد جهاز الأمن العام في عام الربيع الأردني قواعد التعامل مع جماهير المحتجين بما يدعوا للفخر والاعتزاز . ويدرك تماما أركان وضوابط التقاليد والأعراف السامية للقيادة الأردنية العليا وأخلاقياتها ،التي ترفض التنازل عن حق المحافظة على سلامة وكرامة حملة لواء الأمن والاستقرار . لكن الجهاز اخفق هذه المرة وله اجر واحد ،فقد اجتهد واخطأ فيما نرى بتعليق المسالة على شماعة ضبط النفس .وكان موقف المديرية لينا ومعصورا في ظروف تبدو فيها كل الاحتمالات مفتوحة ومستقبل الأوضاع الداخلية المتأزمة يلفه الغموض ويستوجب الحزم .
نتفهم المغامرة غير المسبوقة بوقوف كبار قادة الشرطة المعتدى عليهم وجها لوجه أمام المعتصمين ،نظرا لحساسية الموقف والرغبة في اتخاذ قرارات أمنية ميدانية سليمة في ساعة خطر داهم ، لتجنب مواجهه متوقعة يسعى إليها المندسون وأصحاب الكاميرات الإعلامية المشبوه ،الذين لا يعنيهم وجود السفارة لا من قريب ولا من بعيد .وإنما جاءوا لاستدراج الفوضى والعنف من خلال استفزاز قوة الأمن . لكن رغم نجاح المغامرة بتحقيق أهدافها إلا انه من الصعب الاقتناع بأن كافة وسائل وأساليب الأمن العام قد فشلت في تحديد هوية كل او بعض الجناة ،وتقديم الأدلة ضدهم ،ومهما كانت التبريرات فان حنكة الباشا لن تكتمل وسيبقى نجاح الأمن العام منقوصا ما دام المعتدون طلقاء وبلا عقاب .fayz.shbikat@yahoo.com
رئيس الشبكة الأردنية للأمن الاجتماعي