حلوا عنا.. بدنا نعيش

أخبار البلد- 

عندما يبلغ السخط والغليان الشعبي في أوساط شعب من الشعوب ضد الحكم في بلد ما، ومهما كانت قبضة الإرهاب والتسعف البوليسي قاسية ووحشية، تكون ردة الفعل الجماهيرية موازية له في الدفاع المستميت عن خيارها السياسي والقانوني والاجتماعي لأن حجم عنف وبلطجة النظام مهدت الطريق لكسر هيبته، وأشعلت فتيل الغضب الشعبي، وأطلقت العنان لجموح الجماهير لتتدافع للشوارع دون حساب للنتائج. لأنها عندما تفقد أبسط معايير الحياة الكريمة، ويُفرض عليها الجوع والتنكيل، وتحرم من حريتها، فلا تأبه بسطوة ووحشية النظام الديكتاتوري أو البوليسي أو الاستعماري في حالات الصراع القومي. لأن معادل الحياة والموت توازى، ولم يعد هناك ما يخسره الإنسان إلا الذل والمهانة وكنس النظام أو الاستعمار.

أول أمس الأحد الموافق 30 تموز/ يوليو وبالتلازم مع اجتماع الأمناء العامين برئاسة الرئيس محمود عباس في مدينة العلمين المصرية، الذي كرس لتجسير الهوة بين القوى السياسية لطي صفحة الانقلاب وتعزيز الوحدة الوطنية، وإعلاء مكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، تنادت الجماهير الشبابية الفلسطينية في محافظات قطاع غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن طفح الكيل، وضاقت بهم سبل العيش بحدها الأدنى، وانتفت معايير الكرامة الشخصية والجمعية، وانكشف ستار الغبار الديني الواهي، والمتاجرة بدم ومصير ومستقبل الإنسان والوطن الفلسطيني لما يزيد عن ستة عشر عاما من الانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية، واستمراء خيار الإمارة على حساب المشروع الوطني، والمساومة عبر ومع دول عربية وإسلاموية وإسرائيل وحليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة على أهداف وثوابت الشعب الوطنية، ما أوصل الجماهير الشعبية عموما والشبابية خصوصا إلى قارعة الطريق تهتف بأعلى صوتها "بدنا نعيش.. حلوا عنا يا حماس"، غير عابئة بإرهاب ميليشيات الانقلاب، ولا ببعبع القسام، الذين أمسوا أداة في يد تجار الدين والدنيا باسم وتحت يافطة كاذبة عنوانها "المقاومة." مع أن اللحظة، كانت تملي الحديث عن كيفية تعزيز أواصر الشراكة السياسية، وتجسير الهوة لطي صفحة الانقلاب البغيض، جاء صوت الشارع الفلسطيني ساخطا وضاربا على جدار الخزان "كفى للانقلاب.. ونعم للوحدة الوطنية." وكأن صوت الشارع الغزي يعلن دون أدنى تنسيق تكامله مع دعوة الرئيس عباس في افتتاح اجتماع الأمناء العامين، التي أكد فيها على ضرورة طي صفحة الانقلاب للأبد. لأنها أشد وطأة من نكبة الـ1948، وتهدد مستقبل المشروع الوطني برمته، في حال استمرت. وأيضا كأن صوت الشباب الهاتف بالحرية والانعتاق من وحشية الانقلاب، يدعو القيادة الشرعية لتحمل مسؤولياتها كاملة لتنفيذ رغباتهم باستعادة الوحدة الوطنية فورا.

عشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني ألقي بها على أكوام البطالة المتراصة خلال العقد ونصف العقد الماضية، ودون أن تفكر قيادة الانقلاب الأسود الحمساوية للحظة بمصالح العباد، أو إيجاد حلول ولو نسبية لبعض حاجاتهم الخاصة والعامة، ليس هذا فحسب إنما عمقت وضاعفت مساحة ونسب الجوع والفقر والدعارة وانتشار المخدرات والهجرة بين أوساط الشباب خصوصا والمواطنين عموما للشتات والمنافي عبر ركوب أعالي البحار، وأفقرت أصحاب رؤوس المال والتجار، وشردت الكفاءات والطاقات المبدعة، فضلا عن عدم توفير الحد الأدنى من التيار الكهربائي صيفا وشتاء، والتعدي على مصالح وحقوق المواطنين، ونهب جيوبهم من خلال توالد الضرائب كما الفطر، كل هذا دفع المواطنين من بيت حانون شمالا مرورا ببيت لاهيا وجباليا ومدينة غزة والمعسكرات الوسطى وخان يونس ورفح جنوبا إلى الشوارع، ما هز قلاع الانقلابيين، الذين فاجأتهم بعفويتها وحجم سخطها، ودفاعها عن نفسها، فقامت حركة الانقلاب الحمساوية باستنفار كل أدواتها الانقلابية وألبست غالبية أجهزتها الأمنية ملابس مدنية، وحاولت أن تغطي على بعض المظاهرات كما حدث في جباليا عندما ألقت بعناصرها وإعلامها في بعض الشوارع حيث تجمعات الشباب الساخطين والرافضين للانقلاب للإيحاء بأن المظاهرات "مؤيدة" للانقلاب، أو كما ادعت وحرفت قناة الجزيرة القطرية بوصلة الشارع الفلسطيني، بالادعاء أن الجماهير خرجت لتطالب برفع الحصار عن القطاع؟؟ كما هي عادتها زورت القناة المارقة والمأجورة الحقائق وقلبتها رأسا على عقب دون وجل ولغايات رخيصة لحماية قادة الانقلاب الإخوان المسلمين. ولكن الجماهير رفضت ذلك، ما ضاعف من عمليات التنكيل والبطش والاعتقال في أوساط المتظاهرين عموما والصحفيين الذين نزلوا لتغطية نبض الشارع والحقيقة للشعب، كما حدث مع وليد عبد الرحمن، مراسل فضائية فلسطين، وعضو الأمانة لنقابة الصحفيين، وقامت باختطاف الصحفي إيهاب الفسفوس، بالإضافة لاقتحامها مستشفى أبو يوسف النجار واختطاف الشباب المصابين: مدحت محمد داوود، ونزار إسماعيل اللداوي، ووسام رصرص من مدينة رفح بعد الاعتداء عليهم بشكل همجي، وفي خان يونس الشرقية تم الاعتداء على المتظاهرين في دوار بني سهيلا، والهجوم الوحشي على أبناء الشهيد النقيب في الأمن الوقائي سلامة بربخ، الذي استشهد في الانقلاب الأسود عام 2007، وهم: سامح الابن الأوسط (19 عاما) أصيب بطلق ناري في الكتف، ورامي (20 عاما) إصابته بالعين والرأس، حميد (22 عاما) كسور ورضوض، وسلامة (17 عاما) إصابته بالرأس وخطيرة، الذي سمي باسم والده، لأنه كان في بطن والدته عندما استشهد.

وقالت القيادة الموحدة للانتفاضة في غزة إن "زمن السكوت على الظلم واستغلال الدين للقتل قد ولى." كما أكد الصحفي رامي فرج الله، مدير مكتب الاتحاد الدولي للصحافة العربية بدولة فلسطين، أن ما قامت به الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس بمنع الصحفيين من أداء مهامهم الملقاة على عاتقهم ونقل الصورة بكل موضوعية مرفوض ومدان.

الجولة الكفاحية لشباب حراك الـ30 من تموز/ يوليو لم ينتهِ بعد، وإن تمكنت ميليشيات حماس من السيطرة نسبيا على الشارع. لكن نبض الشعب ما زال يخفق، ويرفض كل موبقات حماس ومن لف لفها، وإن لم تعد حركة حماس بخيارها لجادة الوحدة الوطنية، فإن الشعب في المستقبل المنظور سيقول كلمته الفاصلة، ويسقط جدار الانقلاب شاء من شاء وأبى من أبى.

oalghoul@gmail.com