محمد الماغوط في أم الفحم

اخبار البلد- وكان ذلك مساء الجّمعة 14 تمّوز 2023 في قاعة مسرح وسينماتك المدينة العربيّة الصّامدة وبحضور عدد كبير من الفنّانين والأدباء والأصدقاء الذين سعدت برؤيتهم، وجاءوا من الشّمال ومن الجّنوب، من الناصرة وحيفا وعكا ورهط ويافا، من الجليل والمثلّث والنّقب مرحّبين بالضّيف الكبير الذي قال عنه محمود درويش "الغاضب من كلّ شيء ولم يغضب إلا لأنّ الحبّ في هذا العالم قد نضب، ولأنّ زنزانة هذا العالم ما زالت تتّسع لسجين رأي مختلف. لم يغضب إلا لأنّ لفظ الحرّيّة بمعناها الشّخصيّ والعام ما زالت مستعصية على العرب والعاربة والمستعربة والأعراب" وعندما أعلن مدير المسرح السّيّد محمد صالح اغبارية ونائب رئيس البلديّة ومسؤول ملفّ الثّقافة فيها السّيّد وجدي حسن جميل والفنّان المتألّق الشّجاع المدير الفنّيّ للمسرح العربيّ، هشام سليمان، وصول الضّيف الكبير وقف الحاضرون مصفّقين بحرارة ولهفة قائلين "يا هلا بالضّيف" فابتسم الماغوط وقال كلاماً مغموساً بالملح والفلفل الحار: سأبكيكم وأضحككم وأحملكم الى الأمجاد الغابرة من المحيط الى الخليج، الى سنوات العصر الذّهبيّ، أيّام صقر قريش، ذلك الأمويّ العملاق الذي صنع التّاريخ، وسوف أبحر وإيّاكم في قارب بائس أخشابه تئنّ مثل عليل، سأبحر في عصر الخسارات المتتالية وضياع قصر الحمراء، وسجن ولاّدة وابن زيدون ومصادرة عقول ابن خلدون وابن رشد وعود زرياب وغياب خليج الإسكندرونة، وأسر قبر السّيّد المسيح ودموع مريم العذراء واعتقال صخرة المعراج وناقة عمر بن الخطاب وصهيل جواد صلاح الدّين.

أحسن الفنّان محمود قدح بالتّعاون مع مجموعة متميّزة من زملائه بالإخراج والدّيكور والموسيقى وغيرها بتقديم وجبة دسمة للعقل والرّوح لهذا الجمهور الرّاقي المتعطّش للمسرح والفنّ والمتألّم من زمن رجاله جماعة "طاخ طيخ" ومستر دولار، ولكن يا سادة يا كرام ابدا لن ينكسر هذا الجمهور ولن يقول: "سأرحل من بلد صار فيه العضرط "الفأر" يحل ويربط بل هنا باقون على صدوركم مثل صخرة حطّين وصخرة جبل إسكندر، هنا في ام الفحم الاسم الحركيّ لملحمة صمودنا وبقائنا في هذا الوطن الجميل الصّغير.

تألّق الفنانون خليفة ناطور وغسّان أشقر وصبحي حصري وفزع حمّود ورائد شمس ويارا زريق أبطال الفرقة المسرحيّة الجوّالة التي تقدّم المشاهد المسرحيّة المضحكة المبكية لروّاد مقاهي المدينة.

نجح هؤلاء الفنّانون حينما رافقوا وليام شكسبير وعطيل وديدمونة وتألّقوا عندما استحضروا صقر قريش فسيطر المهرّج علينا وأضحكنا وأبكانا وأفرحنا وأحزننا فأين كنّا وأين صرنا يا خليفة؟ ولماذا لم تحرس الكرم يا ناطور؟ وهل ما زلنا مختلفين على إعراب الاسم المجرور بنزع الخافض؟ ولماذا تقلّص نهر دجلة الى جدول وجفّ الفرات وما مصير النيل بعد أطماع ابرهة وماذا جرى للعيون الكحيلة صنعاء ودمشق وطرابلس؟ ولماذا نحن نكبّر الحكاية فعالمنا العربيّ بخير فلا استبداد ولا قهر اقتصاديّا ولا قمع ولا فقر ولا مرض ولا تخلّف.

نحن في مدننا، في سخنين وشفاعمرو والطّيبة وراهط والنّاصرة ننام على ريش النّعام باطمئنان وهدوء ونحلم أحلامًا ناعمة مثل فرو الأرنب.

شكرًا لمسرح وسينماتيك أم الفحم التّقدميّ على هذا العمل الفنيّ الكبير والجميل الذي قدّم لنا في سهرة لا تنسى متعة فنيّة ومتعة فكريّة وحبذا أن يحلّ صديقنا محمّد الماغوط ضيفًا على مدننا وقرانا كلّها شريطة الا يوزّع علينا مجموعاته الشّعريّة وكتابه "سأخون وطني" لأنّ القرّاء متعبين في هذا الحرّ القائظ، وطيّب الله عيشة المشاهدين والسّامعين.