عن أفغانستان.. خمسة مشاهد انطباعية!

أخبار البلد- المشهد الاول منذ ثمانين عامًا مجرد خيالات ضبابية عن بعض التاريخ الإسلامي وأساطير ممر خيبر الرهيب، ثم أثارت اهتمام عقولنا الصغيرة في المدرسة قصة فقيهٍ اسمه الشيخ جمال الدين الأفغاني جاء الى العالم العربي مقتحمًا الجمود الفكري «العثماني» ومبشرا بآراء جديدة جريئة في الدين والسياسة، وقد أُعجبنا به، لكن شبهة الجاسوسية لحساب البريطانيين حامت حوله وتضافرت مع انتسابه لاحد المحافل الماسونية فأطفأت بريقه في عيوننا!

والمشهد الثاني مبهم تشكّل امامي شخصياً عن افغانستان أوائل خمسينات القرن الماضي كما وصفتْه لي بسذاجة صديقةٌ كانت تعمل مضيفة في إحدى شركات الطيران العربية الناشئة حينذاك وكانت تسافر إلى مطار كابُل ليلًا في رحلات غير منتظمة وعلى متنها عدد قليل من الركاب وتغادر فجر اليوم التالي لتجد نفسها دون ان تدري وسط شبكة لتجارة المخدرات! ويبدو ان زراعة الأفيون كانت ولا تزال جزءًا من حياة الافغانيين برعاية أمراء الاقطاع والطوائف والحروب القبلية.. اما عن الأحوال السياسية فلم نعرف من صحافة مصر السائدة الرائجة أيام الملك فارو? فيما إذا كان رئيس افغانستان محمد ظاهر شاه مهموما مثلًا بالقضية الفلسطينية كباقي المسلمين أم لا!

المشهد الثالث في ثمانينيات القرن الماضي وبعد غياب افغانستان الطويل عن المسرح العالمي الذي أتابعه، عادت فجأةً الى الواجهة في آخر حلقة من حلقات الحرب الباردة التي كانت قد نشبت بين القطبين الكبيرين اميركا والاتحاد السوفياتي منذ هزما المانيا النازية عام ١٩٤٥ فقد نجحت الاستخبارات الاميركية آخر المطاف في توريط الاتحاد السوفياتي في حرب استنزاف مميتة في افغانستان اثر تأييده لثورة الحزب الشيوعي على الحكم عام ١٩٧٩، وسعيه الدؤوب المكلف لمساعدتها على النهوض والتقدم وانتشالها من حياة العصور الوسطى، ولقد لمسنا بأنفسنا ب?ض النتائج الايجابية متجسدةً في وفود افغانستان إلى اجتماعات منظمة الصحة العالمية في جنيڤ حيث كانت تضم نساءً الى جانب الرجال بإداء مهني علمي متميز دليلاً على ان الشعب حين يُعطى الفرصة المنصفة يستطيع ان يبدع أيما إبداع، لكن الاتحاد السوفياتي وجد نفسه في افغانستان غارقًا بمواجهة المجاهدين من الاسلامويين المدعومين بالمال والسلاح من اميركا ودول اخرى، الى حد اضطراره للانسحاب ثم انهياره بالكامل عام ١٩٨٩!

اما المشهد الرابع فخطوطه بدأت تتداخل منذ احداث الحادي عشر من ايلول ٢٠٠١ وتدمير برجي نيويورك ومحاولة القاء التبعات على بن لادن الذي تؤويه طالبان فكانت تهديدات الرئيس بوش بمعاقبة افغانستان، وحذر كتاب ومثقفون كبار موجودون في الغرب من مغبة الحرب عليها لانها سوف تدمر الشعب البريء الذي لا علاقة له بالأمر وسوف تعيده الى الخلف مئات من السنين، وكان من بينهم اذا كنتم تتذكرون الكاتب الافغاني الاميركي خالد حسيني مؤلف رواية «اللاعبون بالطائرات الورقية» الذي تحول الى فيلم سينمائي حقق نجاحًا كبيرا، لكن بوش لم يصغ لاحد وف? عام ٢٠٠٢ اعلن الحرب تحت رايات مخادعة مثل تحقيق الديمقراطية وتحرير المرأة، واقام حكومة عميلة برئاسة كارزاي الموظف لدى شركات البترول الاميركية، لكن عشرين سنة من الاحتلال لم تنجح في الوفاء بأي من الوعود المعسولة، بل انتهت بهزيمة مهينة للقوات الأميركية امام جيش طالبان المتخلف تدريبا وتنظيما وتسليحًا.

وبعد.. المشهد الخامس قبل أيام وكان مراسلو اذاعة بي بي سي غلوبال بودكاست كغيرهم من أبواق الأعلام الغربي يتباكون على المرأة الافغانية وحقوقها المضيَّعة وهو نفس الاعلام المضلِّل الذي اخفى طوال عشرين عاما حقيقة الاحتلال واهدافه لإبقاء البلاد فقيرة متخلفة بنهب ثرواتها الدفينة في باطن الأرض وخدمة الشركات الكبرى بتمرير خطوط أنابيب الغاز والنفط سرًا وحماية الفساد والفاسدين.. وحتى المشاركة في زراعة الافيون في البلاد!