ماذا يصنع الناس بالفلوس وماذا تصنع بهم؟

أخبار البلد- يقول أحد المفكرين: من يركض دوماً وراء الفلوس/ المال فهو مجنون فلوس. ومن يحتفظ بها أو يشغلها فهو رأسمالي. ومن ينفقها فهو لعوب. ومن لم يحصل عليها فهو كسول. وإذا لم يحاول الحصول عليها فهو بلا طموح. ومن يحصل عليها من دون عمل أو جهد فهو طفيلي. ومن يحصل عليها من العمل الشاق طيلة حياته، ولكنه لا ينفقها فهو غبي لأنه لم يحصل من الحياة على شيء.

في كتابهما الشيق،2004) (The Dark side of Behavior يتحدث المؤلفان: أدريان فيرنهام وجون تايلور عن الجانب المعتم من سلوك الموظفين في الشركات وغيرها التي يعملون فيها، ويبينان العوامل التي تدفعهم إلى خيانة الأمانة وانتهاك العقود، والنظريات التي تفسر ذلك. ويمران في اثناء ذلك على موضوع الفلوس فيقولان (بتصرف): «ما من أحد في عالم اليوم لا يحتاج إلى الفلوس، فقد صارت رمزاً للقيمة، ومقابلاً للعمل والإنتاج، لكن بعضاً من الناس غير عقلانيين عندما يتعلق الأمر بها، بل ومستعدون لعمل أي شيء للحصول عليها أو على المزيد منها.

وللفلوس معان كثيرة عند المحللين النفسيين وعلى رأسهم هـ.جولدبيرج. ور.لويس: مؤلفا كتاب «جنون المال Money Madness،1998 أهمها وأكثرها شيوعاً أربع وهي: الشعور بالأمن، وبامتلاك القوة، وبالحب (المحبة من الناس) وبالحرية:

1- الأمن: الفلوس بالنسبة للناس الأشد فقراً هي وسيلتهم للعيش. أما بالنسبة للمحظوظين أو الذين لديهم من المال ما يكفي للبقاء، فهي لتوفير الأمن النفسي. لكن الاعتماد على الفلوس لتوفير الأمن يمكن أن يتسبب بالاغتراب لقيام الغني بتشييد سور نفسي حوله (صار يشيد سوراً مادياً بالإضافة إليه: (gated community يمكن أن يؤدي الى الخوف وجنون الارتياب من الأذى، والرفض والحرمان من الآخرين. ويصبح الخوف عنده من احتمال فقدان المال أكبر مصدر للقلق، لأن طالب الأمن بالمال يعتمد أكثر وأكثر على الفلوس لتحقيق الرضا والأمن الذاتي، ظناً?منه أن الفلوس توفر له الأمن وتقدير الذات.

2- القوة: يقول مثل ألماني: (إن لكل إمريء في هذا العالم سعره الذي يمكن شراؤه به). ومن ثم لا نشتري بالفلوس السلع والخدمات فقط، بل نشتري الولاء والجواسيس والقتلة والأهمية أو الشهرة والسيطرة والهيمنة بل الأعداء أيضاً: ليس على مستوى الأفراد فقط بل على مستوى الشركات والدول كذلك. ويرى المؤلفان أنه توجد ثلاثة أنماط من الإغنياء الذين يحصلون على القوة في المجتمع بالفلوس وهي:

أ- نمط المدلّس أو المتلاعب الذي يستخدم الفلوس لاستغلال غرور الآخرين وجشعهم أو حاجتهم، فالتلاعب بالآخرين بالمال يجعل المتلاعب يشعر أنه أقل ضعفاً وإحباطاً، وهو باستغلال الناس بالفلوس لا يشعر بأي وخز للضمير. إن أكبر خسارة طويلة المدى يمكن أن تلحق به هي خسارة الكرامة نتيجة ما يتعرض له من إهانات وإهمال كلما قل ما بين يديه من مال.

ب- نمط الإمبراطور (المالي): الذي يبدو أن لديه إحساساً زائداً بالاستقلال والاعتماد على الذات كابحاً أو منكراً حاجته الى الناس، وأن الناس يعتمدون عليه أو بحاجة إليه وليس العكس. ولكنه يصبح – بمرور الوقت – معزولاً ومغترباً، وبخاصة في أوقات الإنحدار.

جـ–نمط العرّاب: وهو الذي يملك مزيداً من الفلوس ليرشو ويسيطر، وتغذية مشاعره نحو الهيمنة والقضاء على المبادرة والاستقلال عند الآخرين. وهو غالباً ما يخفي غضبه وحساسيته تجاه ما يحلق به من إهانة وإذلال بابتلاعهما. إنه يجذب الضعفاء والمحتاجين غير الآمنين بالمال إليه مما يجعله محاطاً بالمتملقين والمنافقين الأذلاء. وكما يتجلى في مقالات بعض الكتاب الذين يتوددون إليه للحصول على الأعطيات والمكارم.

3- الحب (المحبة): الفلوس عند بعض أصحابها بديل للحب والعواطف، اي أنهم يعتقدون أنه يمكن بالمال شراؤهما وشراء الولاء والانتماء والقيمة الذاتية. ويعتقد كثير منهم أن تبادل الهدايا علامة على المحبة والاهتمام.

4- الحرية: وهي أحد معاني الفلوس الأكثر قبولاً وإهتماماً، فبالفلوس يتم شراء الوقت لمتابعة المصالح والنزوات وتحرير المرء من الكدح اليومي وقيود العمل أو الوظيفة. أي أنه بالفلوس يمكن شراء الهرب من الأوامر والتعليمات وحتى الاقتراحات التي تبدو مقيدة للاستقلال الذاتي.

وهنا يتحفانا: (فبرنهام وزميله م. أرجايل (The Psychology of Money, 1998) بوصفة واسعة عن ارتباط الفلوس بالأهواء والرغبات والمخاوف والانحرافات والنزوات... ومن ذلك ارتباطها بالعلاقات الغرامية، والغيرة، والإعجاب، والحرية، والقوة، والسلطة، والإثارة، والابتهاج، والبقاء، والأمن، والقوة الجنسية، والانتصار، والمكافأة، وأنه يمكن النظر إليها كسلاح او كدرع أو مُسَكِّن أو منبه أو طلسم او مثيرة للشهوة، أو لقمة تشبع، أو غطاء دافيء. ويضيفان: إن امتلاك النقود للادخار او للإنفاق يخلق الشعور بالامتلاء والدفء، والكبرياء، والجا?بية الجنسية، والحصانة، وحتى الخلود: «أيحسب أن ماله أخلده» وإن قلة ما في اليد يمكن أن تولد مشاعر بالخواء، والهجران، والتلاشي، والهشاشة، والانجراح، والدونية، والعجز الجنسي، والقلق، والغضب، والحسد، والغيرة.

كما أنه يمكن شراء الناس بالفلوس وإن كانوا ينفرون من الاعتراف بذلك. ربما كانت الفلوس تذهب بالخيال فيما يمكن أن تفعله بالناس بما في ذلك قدرتها على جلب السعادة النهائية لهم، مما يسهل إغراءهم بها للقيام باي شيء.

والحقيقة إن «الفلوس لا تأتي بالسعادة دائماً كما يقول بيل فانجهان Bill Vanghan، ولكنها تستطيع دفع رواتب هيئة كبيرة من الباحثين لدراسة الموضوع» (السعادة).

ويعلق هوبرت براون على ذلك قائلاً: «لا تأتي السعادة بالفلوس دائماً، فمن يملك عشرة ملايين دولار ليس بأسعد من الذي يملك مليون دولار منها». أما الرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو فكان يقول: «لكم أحب أن أعيش كرجل فقير يملك الكثير من المال».

أما سقراط فكان يقول: «إذا افتخر رجل بثروته فيجب عدم الثناء عليه إلى أن نعرف كيف يوظفها».

ويقول ب.ث. بارنوم السياسي والإعلامي والاستعراضي الأمريكي: «إن الفلوس سيد مرعب ولكنها خادم ممتاز أيضاً.»

أما ابن الرومي فيقول: لم أر شيئاً صادقاً نفعه/ للمرء كالدرهم والسيف

يقضي له الدرهم حاجاته/ والسيف يحميه من الحيف

وقال آخر: ما أرسل الإنسان في حاجة/ أقضى من الدرهم في كمه

وقال آخر: ولا يساوي درهماً واحداً/ من ليس في منزله درهم

وقال آخر: إذا اردت أن تُكرمـــــا/ فأرسل الدينار والدرهما

فليس في الأرض وما فوقها/ أفضى لأمر مشتهى منهما

قال عمرو بن العاص لمعاوية: «ما أشد حبك للمال» ! قال: «ولم لا أحبه، وأنا أتعبد به مثلك، وأبتاع به مروءتك ودينك."

وفي الأمثال العربية: المال يُسوِّد غير السّيد، ويقوي غير الآيد

وفي هذا المعنى قال شاعر: الفقر يزري بأقوام ذي حسب/ وقد يسود غير السيد بالمال

وقال آخر: حياك من لم تكن ترجو تحيته/ لولا الدراهم ما حيّاك إنسان

وقال آخر: فصاحة حسان وخط ابن مقلة/ وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم

اذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس/ ونودى عليه لا يباع بدرهم

وقد قيل: العسرة والعشرة لا يجتمعان

وفي الأمثال العربية: الدراهم مراهم، والفلوس تطيب النفوس، ومع هذا يقول كثير من الناس تخلو أيديهم منها: إنها وسخ أيدي. قال هذا حامضٌ لما رأى الا يناله.