الموقف الأميركي دائما مخيب للآمال!

أخبار البلد-لم تكن إسرائيل لتقوم باقتحام مخيم جنين وارتكاب مجزرة كبيرة ضد سكانه بدون الضوء الأخضر الأميركي. ليس هذا فقط، فقد دافع البيت الأبيض عما أسماه حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها ضد الإرهابيين. وفي نفس سياق المواقف الغربية المتماشية مع السياسات الإسرائيلية العدوانية، فقد أكدت كل من الخارجية الألمانية والخارجية البريطانية على ضرورة التزام إسرائيل بمبدأ التناسب والضرورة في عدوانها على جنين، وهي في تصريحها هذا بررت العملية العسكرية الإسرائيلية باعتبارها ضرورة ملحة لمحاربة ما أسموه الإرهابيين في جنين! وتناست هذه التصريحات أن هذه العملية تأتي في سياق التطهير العرقي لسكان المخيم المدنيين، كما أغفلت هذه التصريحات حق الشعوب في مقاومة المحتل بكافة الطرق الممكنة.
في الواقع، هنالك شرخ واضح ومتزايد في العلاقات الأميركية الإسرائيلية منذ إعلان تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو وعضوية الصهيونية الدينية فيها. وهذا الشرخ اتسع مع إصرار هذه الحكومة على الانقلاب القضائي، والتوسع في الاعتداءات على أرواح وممتلكات الفلسطينيين من ذوي الجنسية الأميركية، إضافة إلى قيام الحكومة الإسرائيلية الفاشية بممارسة مزيد من السياسات العدوانية التي تحرج الإدارة الأميركية مثل الاستيطان وتهويد القدس والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى. وبرغم اتساع مساحة الاختلاف بين الإدارتين، إلا أن عملية جنين لم تكن للأسف محل اختلاف. بل على العكس، كان موقف الإدارة الأميركية مؤيداً صراحةً لهذه العملية، ولكن في إطار ضوابط الوقت ومحدودية القتلى من الجانب الفلسطيني. وبالنتيجة، اعتبر العديد من الفلسطينيين هذا الموقف مخيباً للآمال والتوقعات كعادته بالنسبة للفلسطينيين. وقد انتقده الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء بشدة، واعتبر اشتية أن من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال، وأن هذه المقاومة لا يمكن اعتبارها بتاتاً إرهاباً.
ومع كل هذا، علينا ألا نذهب بعيداً في تأويل الموقف الأميركي برغم أنه لا ينسجم مع مصالحنا المشروعة، فما زالت إسرائيل هي الحليفة الاستراتيجية الأولى للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، وما زالت إسرائيل تنفرد بالدعم السياسي والعسكري والمالي اللامحدود من قبل الولايات المتحدة، ومع وجود مساحة كبيرة من النزاع بين إدارة بايدن وإدارة نتنياهو إلا أن هذا النزاع لا يرتقي أبدا إلى مرحلة الشقاق والصراع، وخاصةً في الأمد القريب والمتوسط. ومع هذا، فهنالك مساحات في الولايات المتحدة الأميركية يمكن استغلالها لصالحنا، وعلى الأقل يمكن البناء عليها. فعلى سبيل المثال؛ تعتبر تصريحات السيناتور الأميركي الديمقراطي بيرني ساندرز مشجعةً جداً في مساءلة إسرائيل على جرائمها، حيث طالب الأخير بضرورة وقف المساعدات الأميركية عن إسرائيل إذا ما استمرت في سياساتها العنصرية والاستيطانية. وعلى نفس المنوال، نجحت النائبة الأميركية رشيدة طليب في تنظيم فعالية تاريخية مهمة حضرها العديد من الساسة والنواب الأميركيين لإحياء ذكرى النكبة. ومؤخراً، أوقفت إدارة بايدن تمويل الجامعات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، كما أعربت العديد من المنظمات الأميركية المعروفة بدعم إسرائيل عن قلقها من تأثير سياسات حكومة نتنياهو على سمعة إسرائيل باعتبارها دولة عنصرية، وقد حذر معهد واشنطن للشرق الأوسط، من أن اليهود الأميركيين يعبرون عن انزعاجهم من سياسات حكومة إسرائيل. وفي نفس السياق، ألمحت منظمة اللوبي اليهود "جي ستريت" على لسان رئيسها جيريمى بن عامي، بوجود صدام محتمل بين إسرائيل واليهود الأميركيين نتيجةً لسياسات نتنياهو الأخيرة. ما أريد قوله في هذا التحليل الموجز أن خذلان الإدارة الاميركية لنا كفلسطينيين في عدوان جنين الأخير لا يجب أن يثنينا عن استثمار التحولات المهمة في السياسة الأميركية تجاه الصراع مع إسرائيل. هذه التحولات لم تقتصر فقط على الرأي العام الأميركي، وإنما بدأت تتصاعد في الحقل السياسي الأميركي بشكل ملفت. إنها موجة تكبر وقد تنتهي بقطع المساعدات الأميركية عن إسرائيل على حد استنتاج صحيفة "ذا هيل" الأميركية!.
---------
* الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد