بعد تقرير "النقد الدولي".. كيف نذلل تحديات ممارسة الأعمال؟

أخبار البلد-

 
لماذا أوصى صندوق النقد الدولي الأردن بتخفيض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في المملكة؟ وبماذا يسهم هذا التخفيض في الاقتصاد الوطني؟ وما تحديات وحلول ممارسة الأعمال؟. أسئلة كثيرة يجيب عنها خبراء اقتصاديون لـ"الغد"، بعد التقرير الذي أصدره الصندوق بمناسبة انتهاء المراجعة السادسة.

الخبراء، عددوا الكثير من التحديات وعرجوا على بعض الحلول، مؤكدين أن ارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال من المشكلات الكبرى التي تعترض القطاعات الاقتصادية في الأردن، وأنها باتت تشكل عائقا أمام توسع القطاع الخاص، وتحد من قدراته التصديرية، إضافة إلى إضعاف قدرة السلع الوطنية على المنافسة مع السلع الأجنبية.
 

وبين هؤلاء الخبراء، أن ارتفاع تكاليف معظم مدخلات الإنتاج على مختلف القطاعات من طاقة ونقل وأجور إلى جانب عدم استقرار التشريعات وضعف التمويل، فضلا عن ارتفاع الرسوم والضرائب، وقلة الأيدي العاملة الماهرة والمدربة، وعدم استغلال الاتفاقيات التجارية، تمثل أبرز تحديات القطاعات الإنتاجية، وتؤدي إلى جعل بيئة الأعمال أقل فعالية وجاذبية.
وأكدوا، أن تجاوز هذه المعيقات وتحسين بيئة ممارسة الأعمال ودعم المنافسة في السوق المحلية وجعل سوق العمل أكثر مرونة وزيادة حجمه، يتطلب من الحكومة إعادة النظر بكلف الطاقة التي تعتبر من أبرز التحديات التي تحد من إمكانيات القطاعات الاقتصادية، إلى جانب أهمية دعم التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، علاوة على وجوب مراجعة النظام الضريبي ولا سيما، ضريبة المبيعات، إضافة إلى ضرورة الترويج للمنتجات الوطنية وزيادة حصتها داخل السوق المحلي، وتفعيل سياسات الحماية للمنتج الوطني.
ويشار، إلى أن الأردن كان خلال العام 2020 أحرز تقدما واضحا وبشكل غير مسبوق على مؤشر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، حيث تقدم الأردن آنذاك بواقع 29 مرتبة واحتل المركز الـ75، من بين 190 اقتصادا في ترتيب البلدان على هذا المؤشر مقارنة باحتلاله المركز 104 في العام 2019، إلا أنه في الوقت ذاته، حل في درجات متدنية على مستوى بعض المؤشرات والمكونات الفرعية من هذا المؤشر، كمكون تراخيص الإنشاء حيث جاء في المرتبة 138، كما جاء في مكون بدء الأعمال في المرتبة 120.
وعلى الرغم من عدم صدور أي تحديث للمؤشر خلال العامين الأخيرين، إلا أنه من المؤكد أن ممارسة الأعمال في الأردن، قد تضررت من جائحة "كورونا" و"المد التضخمي"، الذي شهده العالم إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
كما وأظهر مؤشر التنافسية العالمي الخاص بمنتدى الاقتصاد العالمي والذي احتل الأردن فيه بآخر نسخة للمؤشر للعام 2020، المرتبة 61 من بين 114 دولة، إضافة إلى تدني الدرجة في المؤشر الفرعي بممارسة الأعمال التجارية حيث حل في المرتبة 88 عالميا.
وقال رئيس غرفتي صناعة عمان والأردن فتحي الجغبير: "إن ممارسة الأعمال في الأردن تواجه معيقات رئيسية تتمثل، ببيئة الأعمال والتغير المستمر في القوانين، والبيروقراطية وعبء الإجراءات الحكومية".
وأضاف الجغبير، أن القطاع الصناعي الذي يعد المساهم الأكبر بالاقتصاد الوطني، يصطدم بالعديد من التحديات التي تعيق نموه وتوسعه وتعيق تحقيق التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق المحلية والعالمية، كغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وبين، أن القطاعات الاقتصادية كافة ومنها القطاع الصناعي تعاني من ارتفاع تكلفة الإنتاج ولا سيما، كلف الطاقة حيث تصل الفروق في الكلف مثلا لدى القطاع الصناعي مع المنافسين في الأسواق الداخلية والأسواق التصديرية الى نحو 25 %، ما يضعف بشكل واضح تنافسية الصناعة الوطنية.
وأوضح، أن الطاقة بأشكالها كافة، تعد مدخل إنتاج رئيسي لمختلف القطاعات الصناعية الفرعية، والتي تتراوح كلفتها بين (30- 35) % من كلف الإنتاج لمعظم القطاعات الصناعية، وتصل لأكثر من 40 %، في بعض القطاعات مثل قطاع الصناعات البلاستيكية والمطاطية.
ويوضح الجغبير، أن القطاع يعاني من "تحدي تنامي حجم المستوردات السلعية ذات المثيل المحلي" من الصناعة الأردنية سنوياً، والتي تشكل أكثر من 35 % من مستوردات الأردن من السلع، وبقيمة تقارب 5 مليارات دينار، وعدم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع الدول التي تعيق دخول الصادرات الأردنية إليها إضافة الى عدم الاستفادة من الاتفاقيات التجارية.
ومن أجل تخفيض كلف ممارسة الأعمال وزيادة تنافسية القطاعات الاقتصادية ونموها، دعا الجغبير، إلى ضرورة إعادة النظر بكلف الطاقة التي تعتبر من أبرز التحديات التي تحد من إمكانيات هذه القطاعات، إضافة إلى أهمية دعم التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية، حيث إن استخدام الطاقة البديلة سيكون لها انعكاسا بتقليل تكاليف الإنتاج وتحسين القدرة التنافسية مع دول الجوار والتي تتمتع بكلف طاقة قليلة مقارنة مع مثيلاتها في الأردن.
كما دعا، إلى السعي للتحول إلى استخدام الغاز الطبيعي والإسراع في تزويد المدن الصناعية به، لما لذلك من دور فاعل في رفع تنافسية الصناعات الوطنية وجذب استثمارات جديدة، وزيادة تنافسية المصانع محلياً وخارجياً، وتوفير فرص عمل للأردنيين، علاوة على وجوب تنفيذ مشروع الـ100 ميجا واط الخاص بالمنشآت الصناعية.
ودعا كذلك إلى ضرورة الترويج للمنتجات الوطنية وزيادة حصتها داخل السوق المحلي، إضافة إلى تفعيل سياسات الحماية للمنتج الوطني.
وبين الجغبير، أن تنفيد المبادرات كافة التي تضمنتها رؤية التحديث الاقتصادي من شأنها القضاء على المعيقات التي تواجه القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع الصناعة، حيث إن خفض كلف الطاقة سينعكس حتماً على تنافسية الصناعات الوطنية في الأسواق المحلية والعالمية، وسيساهم لا محالة في الاستغلال الكامل والأمثل للفرص التصديرية غير المستغلة حيث تمتلك المنتجات الوطنية، فرصا تصديرية غير مستغلة تتجاوز 4.9 مليار دولار.
وكانت دراسة أعدتها غرفة الصناعة أشارت، إلى أن زيادة الصادرات الوطنية بمقدار مليار دينار قادرة على توليد فرص عمل جديدة بحوالي 34 ألف فرصة، أي أنه في حال تحقيق الفرص التصديرية غير المستغلة سيتم خلق أكثر من 118 ألف فرصة عمل.
وبلغ معدل البطالة خلال الربع الأول من العام الحالي 21.9 %، بانخفاض مقداره 0.9 نقطة مئوية عن الربع الأول من العام 2022، وبانخفاض مقداره 1.0 نقطة مئوية عن الربع الرابع من العام 2022.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي موسى الساكت، أن تكلفة ممارسة الأعمال المرتفعة تعد من المشكلات التي تعترض القطاع الخاص منذ أكثر من عقد، متفقا مع سابقه بما يتعلق بارتفاع كلف الطاقة والنقل، إضافة إلى قلة الأيدي العاملة الماهرة والمؤهلة، وبقية التحديات.
ولفت الساكت، إلى أن استمرار ارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال من شأنه أن يؤدي إلى تقليص النشاط الصناعي والتجاري، وتقليل حجم الصادرات الوطنية، إضافة إلى التأثير على الحركة الاستثمارية، علاوة على إضعاف نمو الاقتصاد الوطني، وتفاقم مشكلتي البطالة والفقر.
يشار، إلى أن الصادرات الوطنية ارتفعت خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 9 %، لتصل الى 1.974 مليار دينار، مقابل 1.815 مليار دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويرى الساكت، أن تخفيض تكلفة ممارسة الأعمال يستدعي من الحكومة والجهات ذات العلاقة التحرك لمعالجة التحديات التي تواجه قطاعات الأعمال، وتقليل كلف الطاقة على هذه القطاعات وتقديم التسهيلات لها لتتحول للطاقة البديلة، إضافة إلى أهمية تخفيض الرسوم والضرائب، ولا سيما المبيعات، حيث إن هذه الضرائب تحد من النشاطين الاستهلاكي والإنتاجي على حد سواء، فضلا عن ضرورة رفع حصة التمويل للقطاعات الإنتاجية.
إلى ذلك، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري: "إن هناك معيقات عدة تواجه ممارسة الأعمال التجارية وتحد من عملية المنافسة ونشاط سوق العمل محليا، كارتفاع التكاليف حيث إن معظم مدخلات الإنتاج من طاقة ونقل وأجور تعد مرتفعة، وكذلك الضرائب على هذه المدخلات، إضافة إلى عدم استقرار التشريعات مما يخلق بيئة شبه منفرة للأعمال".
وأضاف الحموري، أن صغر حجم السوق المحلي وحالة عدم الاستقرار التي شهدها الإقليم خلال العقد الأخير، إلى جانب المعيقات التي تم ذكرها سابقا، كان لها انعكاس واضح على ممارسة الأعمال.
وأوضح الحموري، أن استمرار وجود المعيقات، أمام ممارسة الأعمال والمنافسة سيكون له انعكاس سلبي على الاقتصاد الوطني، وسيؤدي إلى استمرار ضعف النمو الاقتصادي وعجز الميزان التجاري، إضافة إلى تراجع النشاط الاستثماري، وتفاقم مشكلة البطالة.
ومن أجل تجاوز هذه المعيقات وتحسين بيئة ممارسة الأعمال ودعم المنافسة في السوق المحلي وجعل سوق العمل أكثر مرونة وزيادة حجم الإنتاجية، دعا الحموري، إلى ضرورة تخفيض كلف الإنتاج على القطاعات الاقتصادية كافة وتوفير الطاقة إلى هذه القطاعات بأسعار منخفضة، علاوة على وجوب إعادة هيكلة النظام الضريبي ولا سيما المبيعات.
وأكد، ضرورة تطوير مهارات القوى العاملة وتدريبها والتوسع في برامج التعليم المهني، وسن تشريعات جديدة محفزة للقطاعات الاقتصادية.