«تمرّد فاغنر».. بعيون روسيّة وخصوصاً غربية!!

أخبار البلد- ما تزال أصداء التمرّد الفاشل الذي قاده السجين الجنائي «السوفياتي» السابق.. بائع النقانق ورجل الأعمال اللاحق, الذي تولى قيادة شركة «فاغنر» الأمنِيّة.. يفغيني بريغوجين في24 حزيران الماضي. وخصوصاً ما بدا في لحظة ما على وشك اقتحام العاصمة الروسية موسكو وتنصيب رئيس «رئيس جديد» لروسيا, (ربما كان هو), إذ قال في إحدي «تغريداته/ هلوساته» على قناة «تيليغرام»: «آن الأوان لأن يكون لروسيا رئيس جديد». ما تزال أصداء مُدويَّة كهذه تتردّد في جنبات المعمورة, على نحو يصعب على المُتابع تجاوز الكمّ الهائل من التحليلات والتسريب?ت وتلك التي تأخذ طابع الإثارة وبخاصّة المنقولة تزويراً وانتحالاً, أم جاءت من مؤسسات وهيئات استخبارية معظمها إن لم نقل جلّها تبثّه وسائل إعلام غربية وبخاصّة أميركية وبريطانية, برزت في صدارتها خبر نشرته في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن اتصال هاتفي أجراه مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) وليام بيرنز مع مدير المخابرات الروسية/ سيرغي نارشكين «أكّد» فيه بيرنز عدم وجود أي صلة للولايات المتحدة, بالتمرّد القصير الذي شهدته روسيا الأسبوع الماضي. لافتة إلى أن الاتصال الهاتفي جرى قبل أيام, وهو أعلى مس?وى اتصال بين الحكومتين منذ محاولة التمرّد في روسيا.

وبصرف النظر عن هذا النفي الأميركي الذي كانت صحف أميركية وأخرى بريطانية أشارت إلى «عِلم مُسبق» للمخابرات الأميركية (التي زار رئيسها وليام بيرنز كييف «سرّاً» قبل أيام معددوات من تمرّد ريغوجين) بتحركات قوات فاغنر في أوكرانيا, واستعدادها لعبور الحدود باتجاه مدينة روستوف الروسية, وما سُرّب عن عضويّة الجنرال سوروفيكين الرفيعة والسريّة في فاغنر, الأمر الذي تجلّى في قول الرئيس بايدن إن «ما جرى جزء من صراع داخل النظام الروسي», بل قيام CIA بإبلاغ المسؤولين الأميركيين في «المستويات العُليا» بهذه المعلومات, بل قيل أنه? جمعتْ معلومات دقيقة بشأن خطّة بريغوجين وأخفتها عن حلفائها، فإن الحملة الإعلامية الغربية المُركّزة التي استهدفت الرئيس الروسي/بوتين شخصياً, عكست من بين أمور أخرى خيبة أمل غربية كبرى من فشل هذا التمرّد, الذي يبدو أنه لم يكن يتيماً أو كان مجرّد نزوة استبدت برجل الأعمال المُتهوِّر/ بريغوجين للقيام بما قام به.

يمكن هنا رصد العناوين/المانشتات الرئيسية لبعض الصحف البريطانية/والأميركية, التي تعكس شماتة وتحريضاً وتشفّياً بالرئيس بوتين. إذ عنّونت فايننشال تايمز البريطانية بعد فشل التمرّد: «بوتين يحصد ثمار أخطائه ويعيش على حدّ السكين في أسوأ كوابيسه»، فيما خرجت نيويورك تايمز الأميركية بعنوان أكثر إثارة: «مشكوك في مفهوم بوتين كضامن للإستقرار في روسيا», أما وكالة الصحافة الفرنسية, فاستخلصت آراء مَن وَصفتهم خبراء ومراقبين عبارة: أنه «ولّى زمن صُور الصدر العاري» (تقصد صور بوتين بصدره العاري خلال قيامه برحلات صيد الغزلان و?لطيور), متسائلة (على ألسنتِهم).. «هل هي بداية النهاية لبوتين»؟.

تختلف الصورة على نحو واضح وجليّ في وسائل الإعلام الروسية، وإن كانت اختلفت القراءات والمقاربات إزاء ما حدث. حيث برز في ما كتبه الفيلسوف الروسي المُعاصر الكسندر دوغين (الذي يُوصفُ في ما نحسبه مُبالغة.. بأنه «عقل بوتين"), بعد ثلاثة أيّام من التمرّد (27 حزيران) تحت عنوان: «بعد التمرّد": «روسيا أمام مفترق طرق", بدأه بملاحظة منه تقول «إن وعي الكثيرين لا يستطيع ببساطة التعامل مع أحداث 24 حزيران", لذلك – أضافَ – فإن الإتجاه السائد والآخذ في الإرتفاع, حيث يقول البعض «هذا لم يحدث»، وآخر «لم يكن أي شيء حقيقيّاً", وثا?ثٌ «هُم هناك عن قصد بهذه الطريقة», يُواصل دوغين - تخفيف الألم الحاد عندما يُفكرون في ما حدث، عندما يتعلق الأمر بـ«ردّ الفعل الجماعي لمجتمع عريض. غير منغمس بشكل خاص في مجال المعاني والقيم» - في هذه الحالة، معاني العلوم السياسية -، فإن.. يواصِل دوغين (كما ترجمه صديقنا الدكتور زياد الزبيدي), هذا مفهوم ومقبول: يبحث الناس عن ثغرات لاستمرار حالة السلم بشكل روتيني، حيث تكون الأحداث إما صغيرة جدا أو غير موجودة على الإطلاق. لكن عندما يبدأ أولئك الذين يزعمون الجدية وعمق التحليل في بث نفس الشيء، فإن الأمر يبدو مُثيرا? للشفقة».

في الواقع, يستطرِد صاحبنا، إنتهت المرحلة الحادة لأحداث 24 حزيران، لكن لم ينته كل شيء تماماً بعد. الآن يجب أن نرى بعض الإجراءات المحددة من قبل السلطات، والتي ستُوضح الصورة، وعندها فقط سيظهر الحد الأدنى من الوضوح. في غضون ذلك، قد يكون من السابق لأوانه التعليق على المعاني: نظراً لأن العملية برمتها لم تكتمل بعد، فقد يكون الناتِج مُختلفاً. بعد كل شيء، ما بدأ وما زال موجوداً يكتسب معنى عند اكتماله - وليس قبل ذلك. أنت لا تعرف أبداً ما يمكن أن يحدث في سياق تطور مثل هذه السلسلة الحاسمة من الأحداث. لكن ما حدث في 24 ?زيران/2023 كان أول «نغمة» من كارثة وحشية. لقد كان - يختم - إنهياراً للدولة الروسية، والذي تم تجنبه في اللحظة الأخيرة، وفي الواقع، بثمن باهظ.