قراءة في شهادة رئيس الفيدرالي أمام الكونغرس واتجاهات الاقتصادات العالمية
أخبار البلد ــ أدلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشهادته أمام الكونغرس الأميركي بتاريخ 28/6/2023 بناءا على طلبه للوقوف على اتجاهات سعر الفائدة والرفع المستمر لها وتداعيات ذلك على المستهلكين والشركات والاقتصاد الأميركي .
وفيما يلي قراءة لأبرز ما جاء في الشهادة واتجاهات الاقتصادات العالمية وفق التقارير والتحليلات المتعلقة بها : -
1- سيكون هناك المزيد من السياسة النقدية التقييدية مدفوعة بسوق العمل الأميركي حيث لا زال قويا ونمو الأجور مرتفع مما يقود الانفاق للاستمرار بالصعود وأن التضخم سيتراجع أكثر مع المحافظة على قوة سوق العمل ، وأنه لم يتقرر بعد مستقبل السياسة النقدية للاجتماع القادم في تموز الحالي ، وعلى الرغم من السياسة النقدية التشديدية فانها قد لا تكون مشددة بما يكفي لفترة كافية ، وسنبقى نراقب البيانات الاقتصادية من أجل اتخاذ قرار الفائدة باجتماع تموز ، وهناك احتمالية ليست بالكبيرة بحدوث انكماش اقتصادي في أميركا ، ومن الصعب عودة التضخم في أميركا لمستويات 2% قبل عام 2025، ونستهدف خفض التضخم الى 2% لتخفيف معاناتة الأسر الأشد حاجة ودعم الاقتصاد الأميركي ، وقد تكون هناك حاجة الى مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة هذا العام ، وزيادة أسعار الفائدة سيكون بوتيرة تسمح بتقييم البيانات الواردة ، وأن أعضاء بالفيدرالي أكدوا أن رفع الفائدة المستمر سينعكس بالسلب على الاقتصاد والبنوك ، والزيادات في رؤوس أموال البنوك لن تطبق على المؤسسات المالية الصغيرة وانما على التي تزيد موجوداتها عن 100 مليار دولار كما أن الاجراءات الجديدة في النظام المصرفي الأميركي من الممكن أن تؤدي الى اندماجات بين البنوك .
أما الاقتصاد الأميركي فقد نما بنسبة 2% على أساس سنوي في الربع الأول 2023 بحسب القراءة النهائية وبما يفوق التوقعات ، وتأكيد الرئيس الأميركي أن الاقتصاد الأميركي قوي والركود مستبعد ، وتصريح بنك أوف أميركا أن الولايات المتحدة يمكن أن تشهد تراجعا في معدل التضخم دون الانزلاق الى الركود .
وحسب الجمعية الوطنية للوسطاء العقاريين الأميركية فقد تم تسجيل أكبر تراجع سنوي لأسعار المنازل في الولايات المتحدة خلال شهر أيار 2023 منذ كانون الأول 2011 وبنسبة 3،1% ، وأن معدلات الفائدة على الرهن العقاري تؤثر بشكل كبير على مبيعات المنازل في أميركا .
وفي كندا ، فقد ارتفعت ديون الأسر الكندية لمستويات قياسية وبلغت حصة الرهونات العقارية 75% من اجمالي الديون ، وتشكل ديون الأسر في الربع الأول 1،85 دولارا كنديا لكل دولار من الدخل المتاح وهو أعلى مستوى لديون الأسر بين الدول الصناعية السبع ، مما يثير تساؤلا حول قدرة بنك كندا المركزي على السيطرة على التضخم دون احداث صدمة اقتصادية كبرى .
وانخفاض أسعار المنازل له تأثير سلبي على البنوك ، ففي حال التعثر ولجوئها الى التسييل فانها قد تتعرض لخسائر مقارنة بما كانت عليه قيمة العقار عند المنح والرهن ، وأن مشكلة الرهن العقاري ربما تضرب القطاع المصرفي وقد تتسبب بأزمة في اقتصادات الدول المتقدمة أكثر من اقتصادات الدول الناشئة ، كما قفزت عمليات الافلاس للشركات الأميركية الى أعلى مستوى منذ العام 2010 .
وقد أطلق الرئيس الأميركي بتاريخ 29/6/2023 خطة اقتصادية لدعم حملته الانتخابية للبقاء في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات قادمة تهدف للنهوض بالاقتصاد الأميركي ورفع تنافسية الشركات الأميركية الصغيرة وتعزيز رفاهية مواطني الطبقة الوسطى والاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية وانتقاده الأثرياء .
2- وفي بريطانيا سجل معدل التضخم 8،7% على أساس سنوي مقابل توقعات عند 8،2% ، مما دفع بنك انجلترا بتاريخ 21/6/2023 الى رفع الفائدة 50 نقطة أساس لتصل الى 5% لترويض الاقتصاد .
مبررا محافظ البنك ذلك ببيانات سوق العمل والتضخم القوية وأنه لا يتوقع الانتهاء من رفع الفائدة في الوقت الحالي والتحرك نحو مزيد من عمليات الرفع لمواجهة ارتفاعات التضخم ، وأن توقعاته السابقة للركود لفترة طويلة تلاشت بشكل كبير ، وأن الاقتصاد البريطاني يمر هذا العام في وضع أكثر مرونة مما توقعه سابقا، وقد نما الاقتصاد ( الناتج المحلي الاجمالي ) بنسبة 0،1% في الربع الأول من العام الحالي ويتوقع بنك انجلترا أن ينمو بنسبة 0،25% ( ربع نقطة مئوية ) بنهاية العام الحالي .
وحسب تقرير صادر بتاريخ 23/6/2023 فان الاقتصاد البريطاني يتعثر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وسجلت أسعار المنازل في أيار أول هبوط على أساس سنوي منذ عام 2012 ومتوسط أسعار المنازل يتراجع 1% في أيار الى 356 ألف دولار ، وتراجعت منذ بداية 2023 بنسبة 4% .
أما الدين العام البريطاني فقد تجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي الاجمالي للمرة الأولى منذ عام 1961 ، وقفزت تكاليف القروض المصرفية ذات المعدل الثابت في بريطانيا لأعلى مستوى في سبعة أشهر .
3- وفي منطقة اليورو، فقد أعلنت رئيسة المركزي الأوروبي بتاريخ 26/6/2023 أن التضخم لا يزال مرتفعا للغاية ولا يمكننا اعلان النصر بعد رغم تباطؤه في حزيران ليسجل 5،5% ، ومن المبكر الحديث عن وصول الفائدة لذروتها ولا نفكر حاليا في وقف عمليات رفع الفائدة بسبب ارتفاع معدلات التضخم ، وبذلك يفتح المركزي الأوروبي الباب على المزيد من عمليات رفع الفائدة .
و تم الاعلان بتاريخ 23/6/2023 عن هبوط أنشطة الأعمال في منطقة اليورو لأدنى مستوى في خمسة أشهر ، وأن الاقتصاد الفرنسي على أبواب الانكماش في الربع الثاني بعد بيانات ضعيفة مع تباطؤ التضخم الى 5،3% خلال حزيران مسجلا أدنى مستوى له في أربعة عشر شهرا بفعل انخفاض أسعار الوقود وتباطؤ أسعار المواد الغذائية ، وتجاوز الدين العام لأول مرة ثلاثة تريليونات دولار في الربع الأول من العام الحالي .
و في ألمانيا ارتفع التضخم الى 6،8% في حزيران مقابل 6،3% في أيار وبأكثر من التوقعات الألماني . ويواصل القطاع الصناعي الألماني الانكماش خلال حزيران وبوتيرة أسوأ من التوقعات وارتفاع معدل البطالة الى 5،7% بأكثر من المتوقع ، واعلان الحكومة الألمانية أنها تسهل قوانين الهجرة للعمال المهرة لمواجهة النقص الكبير بالأيدي العاملة .
وفي ايطاليا انتقدت رئيسة الوزراء الايطالية بتاريخ 28/6/2023 البنك المركزي الأوروبي بشأن الرفع المتكرر لأسعار الفائدة رغم تراجعه في ايطاليا ومنطقة اليورو .
وشهدت دول أوروبية هبوطا في أسعار المنازل بين 10% و15% وضعف الميزانيات العامة للبنوك ، بينما المصارف العالمية الأقل عرضة للخطر تتمتع بميزانيات عمومية قوية .
4- وفي الصين ، خفض بنك الشعب الصيني بتاريخ 14/6/2023 الفائدة على الاقراض متوسط الأجل بنسبة 0،1% لتصبح 2،65% ، ويصل حجم تلك القروض 33،1 مليار دولار ، وكذلك خفض الفائدة على القروض قصيرة الأجل بنفس النسبة لتصبح 1،9% لدعم الانشطة الاقتصادية وتحفيز النمو للوصول به الى المستهدف البالغ 5% في العام 2023 .
والبنك المركزي الصيني يسبح عكس التيار ويخفض الفائدة على القروض لتحفيز النمو الاقتصادي وتراجع اليوان الى 7،2 يوان / دولار بعد بيانات اقتصادية صينية ضعيفة ومنها تراجع تشاط المصانع الصينية في حزيران للشهر الثالث على التوالي ، وخفضت وكالة ستاندرد أند بورز بتاريخ 26/6/2023 توقعات نمو الاقتصاد الصيني هذا العام من 5،5% الى 5،2% وهي مماثلة لتوقعات صندوق النقد الدولي ، ورئيس الوزراء الصيني يؤكد تمسك الحكومة وقدرتها على تحقيق مستهدف النمو الاقتصادي البالغ 5% للعام 2023 ، و مددت بكين بتاريخ 21/6/2023 الاعفاءات الضريبية على اقتناء السيارات الكهربائية الى العام 2027.
وتشير التحليلات الاقتصادية الى نزوح متوقع لألاف الأثرياء من الصين ، حيث التوقعات بنزوح أكثر من 13 ألف من أصحاب الثروات الضخمة للبحث عن أماكن جديدة مثل سنغافورة ولزيادة القيود المفروضة على الثروات خلال العقد الأخير وتباطؤ نمو الثروة العامة في البلاد خلال السنوات الماضية حسب New World Wealth .
أما اليابان ، فان الاقتصاد يعيش ركودا بتضخم سلبي منذ عقود ويسجل أكبر نسبة تضخم منذ سنة 1981 ، ونسبة التضخم تجاوزت للشهر الثالث عشر النسبة المستهدفة من بنك اليابان المركزي البالغة 2% ، وحسب البيانات الجديدة للمستهلكين وصلت نسبة التضخم الى 3،4% ، وثبت البنك في اجتماعه بتاريخ 16/6/2023 معدل الفائدة عند سالب 0،1% ولم يرفعها كون التضخم الأساسي ما زال منخفضا ، مع توقعاته بتباطؤ التضخم في العام 2023 .
وتواصل اليابان مكاسبها مدعومة بانتعاش شركات التصدير مع هبوط الين لمستوى 145 ين مقابل الدولار وتحذير وزير المالية الياباني بتاريخ 30/6/2023 من تدهور الين وتعهده بالتدخل اذا لزم الأمر .
وسجلت احتياطيات اليابان الأجنبية تراجعا الى 1،255 تريليون دولار في أيار 2023 من 1،265 تريليون دولار في نيسان ، كما سجل بنك اليابان خسائر في حيازته من السندات الحكومية لأول مرة منذ 17 عاما ، وتراجع معدل البطالة في اليابان الى 2،6% في نيسان بأفضل من التوقعات .
القطاع المصرفي العالمي تحت وطأة هبوط أسعار المنازل ومخاطر معدلات الفائدة المرتفعة ( زيادة ديون الأسر ) والمخاوف من تحول التضخم الى أزمة مستعصية حيث معدلات التضخم الأساسي في الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال أكثر من 5% ، وعوامل هيكلية في الاقتصاد قد تحول دون انخفاض التضخم بأكثر من ذلك ، وأن اعادة التضخم الى المستويات المستهدفة قد يتطلب الدخول في ركود اقتصادي ، واستمرار رفع الفائدة يهدد الدول الأكثر مديونية في العالم ، والاقتصادات المتقدمة أكثر ضعفا من الناشئة .
- وضع أفضل للدول الناشئة ، مديونية أقل للأسر حيث توازي 36% من الناتج المحلي الاجمالي بينما تبلغ 79% في الدول المتفدمة .
- ضعف هوامش الفائدة والأرباح للبنوك .
- عوامل تهدد البنوك في الاقتصادات المتقدمة والناشئة : ارتفاع الفائدة الاسمية ، زيادة العبء المالي .، هبوط أسعار العقارات السكنية .
- ارتفعت الفائدة عالميا خلال عامين بأسرع وتيرة منذ عام 2000 .
- ارتفاع الفائدة والرهون العقارية ، حيث ارتفعت بواقع 3% منذ بداية 2022 ووصلت الفائدة على الرهن العقاري الى 6،8% في الاقتصادات المتقدمة بنهاية العام 2022 .
وتحت وطأة الضغوطات ، فقد أعلن سيتي غروب بتاريخ 15/6/2023 اتجاهه لتسريح 5 ألاف موظف بنهاية الربع الثاني 2023 يشكلون 2% من عدد الموظفين الاجمالي ، وسيكلف انهاء خدماتهم 400 مليون دولار ، كما أن كبرى بنوك وول ستريت في طريقها لتسريح 11 ألف موظف بنهاية عام 2023، .وبدأ غولدمان ساكس بتاريخ 26/6/2023 تنفيذ خطة للاستغناء عن 125 مديرا على مستوى العالم .
وأن بنك UPS السويسري يعتزم تسريح نصف القوى العاملة في كريدي سويس المستحوذ عليه من قبله .
وقد اجتازت بنوك أميركية بنجاح وعددها 23 بنكا اختبار الجهد المصرفي ( الأوضاع الضاغطة ) الذي أجراه الفيدرالي .
6- وفيما يتعلق بأسواق الأسهم والسندات العالمية ، فقد حذر جي بي مورغان بتاريخ 16/6/2023 من موجة بيعية بقيمة 150 مليار دولار في أسواق الأسهم العالمية ، وبنك أوف أميركا يقول أن ارتفاع الأسهم الان سيعقبه انهيار كبير ، وتراجع معظم الأسواق الاسيوية مع تخفيض البنوك العالمية لتوقعات النمو في الصين .
أما بنك مورغان ستانلي الأميركي فأشار الى أن ضعف السيولة ومخاوف الركود تضغط على وول ستريت بالبيع ، ويتوقع تعرضها لموجة جني أرباح واسعة .
وحققت أسهم الأسواق الأوروبية مكاسب بنحو 9% في النصف الأول من عام 2023 .
وبلغ اجمالي سوق السندات العالمية 133 تريليون دولار في نهاية العام 2022 يمثل سوق الولايات المتحدة أكثر من 51 تريليون دولار ، والسندات أداة هامة بالاقتصاد العالمي في توفير التمويل باعتبارها أحد مصادر الأقتراض والاستثمار ، وينصح ببناء سلم السندات من خلال شراء سندات ذات تواريخ استحقاق متداخلة لانشاء تيار ثابت من الدخل مع نمو السندات وتنويع محفظة السندات الاستثمارية عبر مختلف أجال الاستحقاق .
واستراتيجية سلم السندات تسمح للمستثمرين الاستفادة من تغير أسعار الفائدة وتقليل المخاطر المرتبطة بحيازة السندات طويلة الأجل ، و من الضروري التعرف على المخاطر المحتملة للاستثمار في السندات .والتي تكمن في مخاطر التضخم ومخاطر أسعار الفائدة .
أما الصناديق الاستثمارية العالمية القابلة للتداول فتسجل رقما قياسيا بلغ 10،32 تريليون دولار .
7- ومن ناحية الذهب ، فقد بلغ اجمالي احتياطيات الدول الخليجية من الذهب 11،3 مليار دولار في نهاية نيسان 2023 مقابل 7،1 مليار دولار في نهاية نبسان 2022 بزيادة مقدارها 4،2 مليار دولار وبنسبة 60% حيث تواصل البنوك المركزية الخليجية رفع رصيدها من المعدن الأصفر .
ويتوقع غولدمان ساكس بارتفاع تدريجي للذهب وأن يصل سعر الذهب الى 2050 دولار للأوقية خلال الاثني عشر شهرا المقبلة بفعل عمليات الشراء من البنوك المركزية والمخاوف الجيوسياسية .
أما ساكسو بنك فيتوقع أن يسجل الذهب مستوا قياسيا جديدا قبل نهاية العام الحالي فوق 2100 دولار للأوقية ( الذهب وعاء ادخاري وملاذ امن ومخزن للقيمة ) .
وتعيق سياسة الفيدرالي التشددية استمرار ارتفاع أسعار الذهب ، حيث العلاقة عكسية بين الدولار وأسعار الذهب وهو الان قرب أدنى مستوياته في نحو أربعة أشهر بعد تلميح الفيدرالي لرفع الفائدة .
أما العملات المشفرة فقد حصدت مكاسب بقيمة 400 مليار دولار منذ بداية العام الحالي ، ويتوقع مواصلة صعودها بعد تخطيها حاجز 30 ألف دولار الاعلان مؤخرا عن تأسيس أول صندوق استثماري عالمي للتداول حصرا في العملات المشفرة مما يضفي عليها بعض الجوانب التنظيمية والرقابية ، وتحول دول الاتحاد الأوروبي لاطلاق اليورو الرقمي بحلول العام 2027 .
خبير اقتصادي ومالي