المعلم

لو أن أزمة المعلمين كانت في عهد حكومة أخرى تقود الوزارة غير هذه الحكومة لما وصلت الأمور الى ما وصلت اليه ، ولما برزت تيارات متعددة من فضائيات وكتاب وأقلام تندد بإضراب المعلم الذي يخوض معركة كرامة لا علاوة ،في مواجهة سياسات التهميش والإنكار لحقوقه ، فالموضوع لم يعد يتعلق بعلاوة التعليم التي أقرت كاملة أصلا مع بداية العام الجديد في عهد السيد معروف البخيت ، وجاءت حكومة " الأزمات " لتتراجع عن مكرمة الملك وموعد الاستحقاق للعلاوة الكاملة في 1/1/2012 ، وتعلن رغبتها بإستكمال العلاوة على مدار 3 أعوام قادمه ، فبدت المسألة غريبة بعض الشيء ولم تعد تتعلق بالزيادة ، رفضها المعلمون ووقفوا ضدها ، وهي أسباب تتعلق ب :
اولا : منحت حكومة " الأزمات " كل الزيادات التي أقرتها الحكومات السابقة لجكميع الموظفين ما عدا المعلمين
ثانيا : إن علاوة التعليم جاءت بمكركة ملكية سامية ، وتم الالتفاف عليها بشكل مخالف للدستور والأعراف .
ثالثا " كانت نسب الزيادة التي ترافقت مع الهيكلة عادلة متساوية في جميع مؤسسات الدولة ما عداء وزارة التربية ، فحصل المعلم في الميدان على زيادة تراوحت بين 4 – 40 دينار ، وهناك من حصل على 65 قرش ! فيما حصل المدراء والمشرفين وكبار الموظفين الجالسين في مكاتبهم في أجواء باردة صيفا ودافئة شتاءا على زيادات تراوحت بين 120 – 400 دينار ! وفي دوائر حكومية اخرى حصل العاملون في الميدان على علاوات تجاوزت علاوة المدراء وكبار الموظفين في دوائرهم !
ولو أن الحكومة منحت 100 دينار لكل موظف يقل راتبه عن 1000 دينار غلاء معيشه ، ومنحت 50 دينار لمن تزيد رواتبهم عن 1000 دينار لقبل الجميع المعادلة ولما حدث ما حدث ، ووفرنا على الخزينه 88 مليون دينار صرفت لشركة امريكية !! فلا تدعّي الحكومة أن الخزينه لا تسمح بزيادة معلم وتسمح بصرف المبلغ لشركة أمريكية !!
رابعا " تم إلغاء وشطب وتخفيض وجدولة علاوات المهن وصعوبات العمل لبعض تخصصات المعلمين بصورة غريبة عجيبة ، فيما منحت بقية التخصصات المماثلة ( مختبرات ، محاسبة ، حاسوب / مرشدين ، إداريين ، في بقية الوزارات علاوات إضافية طيبة !
خامسا " لم يحدث أن شاركت قوى الأمن العام بكل فروعها في ملاحقة وزيارات المدارس والاطلاع على سير العمل ومعرفة من يشارك أو لا يشارك في الإضراب !!! وهو تدخل ما كان له ان يكون ، ولكن لما يتمتع به المعلم في بلادنا عبر كل العقود من قلة " هيبة " وتهميش وإعتباره مواطن من الدرجة الثالثة ، فقد أباح ذلك لكل الأجهزة وحتى وبكل أسف لأولياء الأمور التطاول والاعتداء على المعلمين دون أن يحرك بحقهم دعوى قضائية أو رد إعتبار ، فكان الإضراب ردا على ماجرى بحقهم في بعض المواقع .
سادسا " يعي المعلمون أهمية إستقرار الوطن والحفاظ على أمنه ونمائه ، وهم اصلا الذراع الرئيس في تنميته وبنائه ، ولكن الأمر حين يتعلق بتهميش يمارسه الخصاونه كرئيس وزراء ، ومارسها من قبله عدنان بدران وزير التربية الاسبق الذي وجه إهانة لكل المعلمين وإعتبارهم " طبقة " مشرتحه لا ترتدي الملابس الانيقة " يشير الى موقف النظام الصامت حيال ما يتعرض له المعلم ، فكان الإضراب وقفة للدفاع عن الكرامة ، فإن كان النظام لا يبالي بالتعليم والنتيجة واضحة في ما وصل اليه الحال ، فأن المعلم لازال يؤمن أنه صاحب رسالة عظيمة سواء كان من طبقة عليا أو دنيا ، ومصرّ على أداء رسالته رغم ما يعانيه .
سابعا " يتشدق البعض من وزراء وحكومات ومواطنين وإعلام أن المعلم يتقاضى راتبا جيدا ، وينال فترات راحة طويلة خلال العطل بين الفصول ، متناسين أو متجاهلين أن وقوفه ( يمنع إدخال الكراسي الى غرف الصف ) لساعات طويله وصراخ ، وكذلك ما يواجهه من تعديات احيانا من طلبة أو أهالي او تجاوزات الجيل الجديد أو الاطفال الصغار كافية أن تصيبه بصداع وصوت مبحوح وأمراض تنفسية جراء استنشاقه لمادة الجبس والكربون التي تدخل في صناعة الطباشير ، وليس كما يّعدي البعض أن المعلمين جميعا يتقاضون أجوراء لقاء التدريس الخاص وهو أصلا ممنوع قانونا ، وحتى لو حصل ذلك ، أوليس على حساب وقته وأطفاله وراحته !
ثامنا " الإضراب كذلك ، كان ردا على لغة الخصاونة حتى مع النواب الذين طالبهم الخصاونه بعدم التدخل ، في سابقة تشير الى عجرفة الرجل وفشله في تطويق أزمة عابرة ، لم يبحث عن حلول لها ، بل ركب رأسه وأصر على السير بالخطأ .
وبعد هذا كله ، أوليس من حق المعلم أن ينهض ويقاوم اتجاه النظام والحكومات والمجتمع حيال وظيفته التي باتت تأتي في مرتبة أقل بكثير من وظائف يعمل بها المغتربين عن بلادهم من الجاليات العربية والاجنبية ، لأنها تكسب أكثر وتتمتع بمزايا لا يتمتع بها المعلم ، فهل ننصف المعلم " معنويا " ونبتعد عن سياسات التهميش والإنكار لدوره ، لأن كل ذلك ينعكس على الطالبة والنظام التعليمي ككل ، ولا يمكن لمخرجات التعليم ان تكون بالمستوى المرغوب في ظل معاناة المعلم الملازمة لمهنته منذ عقود .