في اللقاء الملكي.. الإصلاح مبدأ والمعيقات تفاصيل
أخبار البلد- قبل بداية الاجتماع مع الملك أتت التوضيحات على النحو التالي، لا حدود لما يمكن الحديث به، ولا توجد أية قيود حول أي موضوع، وأي مداخلة من فريق الديوان الملكي ستقتصر على الوقت ومسائل تنظيمية، ولن تتداخل مع محتوى المداخلات، سيتحدث جلالة الملك في البداية، وسيستمع للجميع بعد ذلك، هذا الإيجاز كان يبعث على الارتياح ويعطي نفساً ايجابياً.
بعد الإجراءات البروتوكولية، بدأ الملك في حديثه، بسؤال طرحه بصورة مباشرة، لماذا يتحدث البعض عن جدية الإصلاح السياسي؟ ولماذا يتحدث بعض رجال الدولة بصورة تحمل نبرة التشكك حول الإصلاح؟ لم يتوقف الملك كثيراً عند هذه النقطة، فالرسالة وصلت بوضوح، الإصلاح يدخل حيز التنفيذ، ويمكن الحديث في التفاصيل، أما المبدأ فمسألة مفروغ منها.
أمامنا سنة واحدة، يستأنف الملك الحديث، وعلينا أن نكثف الجهود خلالها، ونريد من الأحزاب والكتل أن تعمل بشفافية من أجل أن تقدم برامجها السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية، ليتمكن الناخبون من التصويت للحزب أ أو ب على أساس واضح يعود بالفائدة على الوطن والمواطنين.
ومرة أخرى يكرر الملك، الانتخابات السنة القادمة، ولا تراجع ويجب أن ننجح، وأن نشاهد كثافة وتنوعاً من المرشحين، وبما يشمل الشباب والمرأة، وأن نقدم نموذجاً على مستوى الأردن والإقليم، ولا نريد للإشاعات أو الشعارات أن تشوش علينا في هذه المرحلة، ولذلك يحدث التواصل من أجل تحقيق الشفافية وضمان المضي قدماً في محاور الإصلاح الثلاثة، السياسي والاقتصادي والإداري.
كانت هذه الرسائل الملكية بالصياغة التي تمثل المرحلة الأولى من التأويل، وبعد ذلك فتحت أرضية الحوار أمام المشاركين، بعضنا أتى من خلفية العمل السياسي والحكومي، والبعض من الأوساط الأكاديمية والإعلامية، والبقية من الأحزاب والمجتمع المدني، أما المرحلة الثانية من التأويل، فأخذت تظهر في المداخلات التي تتابعت، وذهبت إلى التفاصيل المتعلقة بتشجيع العمل السياسي والعقبات التي تقف أمام العمل الحزبي، وكان الملك يسجل في دفتره مباشرة بعض الملاحظات التي سمعها، ولاحظت أن معظمها يتعلق بتصرفات تحدث داخل الحرم الجامعي تتعلق بمم?رسة الطلبة للعمل السياسي وموقف بعض إدارات الجامعات من مبادرات سياسية للطلبة.
أمامي ثلاث دقائق لأتحدث، والتزاماً بالتوضيحات التي مهدت للاجتماع قررت أن أتحدث بصورة مباشرة من واقع المتابعة، فأخبرت الملك أن إرادة الإصلاح السياسي التي بلورت في أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لم تكن الأولى في الأردن، وأن جلالته أطلق أكثر من مبادرة سابقاً من أجل الإصلاح، بعضها كان سابقاً على الربيع العربي وجميع تفاعلاته، فتعبير مثل الثورة البيضاء أطلقه الملك سنة 2009، مع حملة أخرى تزامنت مع الربيع العربي الذي استقبله الملك بصورة ايجابية، ووصفه بأن دعوة للكرامة والعدل والحرية، مؤكداً على شرعي? مطالب الشعوب العربية و«حقها في أن يكون لها رأي أكبر في كيفية حكم وتنظيم مجتمعاتها»، ومرة أخرى يعود الملك، بطموحات واسعة سنة 2013 مع حكومة الدكتور عبد الله النسور التي أتت من خارج الصندوق التقليدي بطموحات كبيرة للتعاون مع المجلس النيابي المزامن لها، ومن ثم كانت التجربة التي لقيت أكثر محاولة للإنضاج والعمل المنهجي مع لجنة الإصلاح، وبعد الفترة التي شهدت إعادة ترتيب الحياة الحزبية من الناحية القانونية، تتأتى اليوم مرحلة التمكين.
السؤال الذي حاولت أن أطرحه في حضور جلالة الملك كان حول العوائق التي واجهت التجارب الإصلاحية في الأردن، وبعضها يعيد إنتاج نفسه منذ سنة 1957، ومنها المزاج السياسي العام ووجود قناعة لدى المواطنين أن الأردن يمر بمرحلة دائمة من المواجهة تمكن من التسويف المستمر والمتلاحق، وتستلزم الكثير من الشعارات من غير أن ترتبط بأية اجراءات عملية قابلة للمتابعة والمحاسبة بالتالي، وكم هي مريحة الحياة في الشعارات، وكم شكلت هذه الشعارات وعياً سياسياً غير واقعي أو حقيقي، فالمواطن يطرب لشخص يتحدث عن تحرير فلسطين أو استعادة الأندلس? ولكنه لا يعرف كيف يمكن أن يتم استقطاب استثمار حقيقي أو بناء مؤسسة تعليمية أو صحية.
الضغط الملكي على البرامجية في الحياة الحزبية مسألة متواصلة على الأقل منذ صيف 2011، ومحاولات محاورة هذه الحالة جرت على أكثر من مرحلة، سواء في لقاءات مع صحفيين وكتاب وقادة رأي، أو من خلال الأوراق النقاشية الملكية التي وضعت تعريفات اجرائية يمكن على أساسها بناء التصورات، وكانت توجد فئات مستفيدة من تفويت فرص بناء الزخم اللازم لذلك، وهي فئات تطورت وعملت على تعزيز تحالفاتها خلال عقود من الزمن وتمتلك قناعة بأنها يمكن أن تحصل على مزيد من الوقت، وهو ما يعيد إلى الذهن ملاحظات بعض النواب الذين تضايقوا من تذكيرهم باقتر?ب الاستحقاق النيابي قبل أيام.
الإصلاح السياسي في الأردن، وفي مستوى التأويل الثالث، ليس اختيارياً، ولكنه استجابة لمتطلبات المستقبل، فلا يمكن أن تبقى نفس المعادلات التي حددت المسيرة التاريخية للمملكة خلال المئوية الأولى قائمةً وذات معنى في المئوية القادمة، هذه قناعة الملك الذي يشهد تغير العالم ويتابع انهيار بنى فكرية وقيام أخرى عن كثب وبصورة مبكرة من خلال موقعه في دوائر صناعة القرار العالمي، والمطلوب هو إصلاح منهجي، وما يمكن التأكيد عليه من قراءة الحديث الملكي هو استمرار الضغط من أجل الإصلاح، مع التأكيد على أن للجميع دوره، وما يمكن أن نض?فه بوصفنا حاضرين، أن الجميع عليه أن يتحمل المسؤولية وحصته من الاشتباك مع متطلبات الإصلاح، وعلى الأقل، بالمشاركة والرغبة في التعلم والمواصلة، وهذا دورنا في الضغط الذي طلبه الملك من الشباب، فالتغيير لا يمكن أن يصدر بقرارات وإلا لن يصبح تغييراً حقيقياً، ولكنه محصلة جهود متواصلة من الحوار والاختلاف والتفاهم، والملك يبدو منفتحاً على أية أفكار ايجابية لتقديم خطوات عملية مقابلها، أما العودة عن الإصلاح أو إعادة إنتاجه بصورة متواضعة وشكلية، فهي خيارات أصبحت تنتمي للماضي الذي يجب تجاوزه بعد استيعاب دروسه وتجاربه.