وأنا أيضا أشجب وأستنكر

أخبار البلد - لم يتوقف الاستيطان الاستعماري في الضفة الغربية منذ احتلالها في حزيران 1967، فجميع حكومات إسرائيل برئاسة حزب العمل ثم حزب الليكود وما تبعهما، تسابقت سرا وعلانية في مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها من نهر الأردن شرقا حتى داخل أحياء مدينة القدس العربية غربا، ومن مسافر يطا والخليل جنوبا حتى مدينة جنين شمالا.


نمت بعض المستوطنات واتسعت مدعومة بأموال حكومية تتدفق عليها بغزارة وبحركة استيطان شرسة تتسابق مع الزمن مستغلة السبات العربي وغض الطرف العالمي، وتحولت هذه المستوطنات الى مدن فيها جامعات مثل أريئيل التي يدرس في كلياتها بدون تأنيب ضمير عدد من الطلاب العرب من الجليل والمثلث والنقب، كما ازدهرت فيها المناطق الصناعية معتمدة على الأيدي العاملة الرخيصة لعمال فلسطينيين وأجانب ينشدون لقمة العيش.

تعرف حكومات إسرائيل المتعاقبة كما تدرك أحزابها الصهيونية، من الكبير حتى المقمط بالسرير، أن مصادرة الأراضي الفلسطينية تتنافى مع القانون الدولي، وأن بناء المستوطنات على هذه الأراضي يتعارض مع القوانين الدولية، ومع قرارات منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومع مواقف الأكثرية الساحقة من دول العالم كما يقضي على الحل السلمي مع الشعب الفلسطيني، إلا أن حكومات اسرائيل منذ دافيد بن غوريون، مؤسس اسرائيل، حتى بنيامين نتنياهو لم تلتزم ولا تلتزم بالقرارات الدولية بل ضربت عرض الحائط بها، حتى ان قرار الأمم المتحدة باقامة دولة اسرائيل الذي رقص اليهود له في مدينة تل أبيب وغيرها من المدن اليهودية في فلسطين عند صدوره، التزمت إسرائيل بنصفه الذي ينص على إقامة دولة يهودية ولم تلتزم بالنصف الاخر منه بل احتلت الأرضي المخصصة للدولة الفلسطينية.
برهنت حكومات إسرائيل على أنها لا تريد سلاما بل تريد أرضا ومستوطنات ومن أجل ذلك حولت "جيش الدفاع الاسرائيلي" الذي تخصص له حصة الأسد من ميزانيتها السنوية الى جيش حماية المستوطنين والمستوطنات وقمع الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم.
اعتدنا نحن العرب الفلسطينيين أن نسمع ونقرأ بيانات الشجب لبناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية، شجب من الأمم المتحدة وشجب من الاتحاد الأوروبي وشجب من جامعة الدول العربية وشجب من الدول الافريقية والآسيوية ولكن هذا الشجب الواسع لم يوقف بناء بيت واحد في مستوطنة، ولم يلغ مصادرة دونم ارض واحد، ولم يرجع شجرة زيتون واحدة أو شجيرة كرمة يتيمة لفلاح فلسطيني، وقد نتساءل: هل دولة إسرائيل أقوى من دول العالم كلها؟ هل هي أقوى من أميركا، والدتها ومرضعتها وراعيتها وحاميتها؟ وكيف تجرؤ إسرائيل على مخالفة الرأي الأميركي والموقف الأميركي؟
لو كانت أميركا جادة في شجبها لتوقف الاستيطان منذ سنوات بل ما كان موجودا، ولو كانت أميركا صادقة في دعمها حل الدولتين لما بنت إسرائيل بيتا واحدا في الضفة الغربية ولكن الولايات المتحدة الأميركية تقدم لإسرائيل المال والسلاح والدعم السياسي والفيتو في مجلس الأمن بينما تقدم للعرب وبخاصة للفلسطينيين كلاما وأوهاما.
قريبي أبو سهيل رجل عجوز في الثمانينيات، عاش النكبة وأهوالها، عندما سمع الشجب الأميركي والأوروبي والعربي لبناء آلاف الشقق السكنية في المستوطنات مما يقضي على حل الدولتين هز رأسه وقال لي: وأنا أيضا أدين وأشجب وأستنكر.