عسكرة البشرية على حساب التنمية.. ما العمل؟
أخبار البلد - في عام 2016 تسع دول فقط أنفقت ترليونًا و 112 مليار دولار على جيوشها. ونصف هذا المبلغ كان من نصيب الولايات المتحدة الأميركية، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وزيادة التوتر بين الصين والولايات المتحدة في الشرق تضاعف الإنفاق العسكري بشكل ملحوظ، سواء لصالح التسلح أو تطوير أسلحة جديدة أو في تدريب الجيوش وتكثيف المناورات العسكرية. ومن يتابع الأخبار اليومية يلاحظ أن المساحة الرئيسية تستحوذ عليها أخبار عسكرة العالم وتطوير أسلحة والإعداد لحروب كبيرة مدمرة.
الحرب الأوكرانية كلفت روسيا حتى الآن أكثر من 600 مليار دولار، والدول الغربية والولايات المتحدة قدمت لكييف القدر ذاته ثمن أسلحة وتدريب وإعداد . أما إعادة البناء فكلفتها تقدر حتى الآن بأكثر من 700 مليار دولار، مدن وقرى دمرت بالكامل، بالإضافة إلى البنى التحتية التي لم تعد تصلح لشيء. والسؤال من الذين يدفعون ثمن هذه العسكرة والحروب؟
كل الناس العاديين في كل مكان هم من يدفع الثمن، والفقراء وحتى متوسطو الحال من يعانون أكثر ويزدادون فقرا وربما تصل الأمور إلى درجة المجاعات في بعض الدول. نسب التضخم في ازدياد، وارتفاع في الضرائب، والمستقبل سيكون قاتما إذا ما تواصلت نزعة العسكرة والهرولة نحو الحروب.
كل التقديرات تشير إلى أن الحرب في أوكرانيا ربما ستستمر لعامين أو أكثر، وهي حرب تدور في أوروبا هذه القارة التي تندلع منها تاريخيا الحروب العالمية. لذلك لا يمكن لأحد التنبؤ إلى أين ستأخذ هذه الحرب العالم، ولكن في أقل تقدير ستأخذنا إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية.
هناك سباق تسلح محموم لم يشهد العالم مثله منذ انتهاء الحرب الباردة، وهناك تنافس متسارع في تطوير الأسلحة وإعلانات يومية لإجراء مناورات عسكرية. مصحوبا بتصريحات سياسية شعبوية من معظم الأطراف، ومحاولات لجم هذه العسكرة لا تزال خجولة ولا تتعدى الاتصالات الأمنية والمخابراتية لمنع اندلاع صدام غير مخطط له. فالأخبار اليومية تتوزع على المنارات وتطوير أسلحة واتصالات مخابراتية وأمنية كي لا تفلت الأمور عن الحسابات.
هنا في الشرق الأوسط. تجد إسرائيل في هذه العسكرة فرصة لها لتسويق ما طورته من أسلحة جربتها أساسا على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، فقبل أيام، على سبيل المثال أبرمت ألمانيا صفقة لشراء صواريخ "حيتس" المضادة للصواريخ بقيمة 3 مليارات دولار، كما تسعى إسرائيل لتسويق القبة الحديدة وطائراتها بدون طيار. أما العرب فهم غائبون عن عملية تصنيع الأسلحة وتطويرها، ولا ندري إن كان هذا خيرا أم شرا لنا.
نعود للمسألة الأهم وتتعلق بالسؤال كيف يمكن كبح نزعة العسكرة وسباق التسلح واستسهال خوض الحروب؟ والسؤال الآخر كيف يمكن منع المجاعات في الدول الأكثر فقرا، والاستمرار بمشاريع وخطط التنمية؟ أين نحن اليوم من التهديدات المناخية والبيئية إذا ما تواصل التركيز على العسكرة وهدر الأموال على
الحروب بدل التنمية؟
المشكلة عند الإجابة عن كل هذه الاسئلة هي في أولئك المسيطرين على القرار الدولي في هذه المرحلة فهم غير آبهين بهذه المشاكل وكأنه لا توجد فرصة لأن يتغلب التعاون وتفهم مصالح جميع الأطراف ضمن معادلة توازن المصالح لا تغليب الواحدة على الأخرى. وفي المشهد العام تبدو الشعوب وكأنها مخدرة لا تقوم بالدور المنوط بها لمنع الحروب ونزعة العسكرة، فهل البشرية إلى هذه الدرجة لا تتعلم من دروس التاريخ؟
لا يمكن وقف النزعة للحروب إلا بتشكيل جبهة عالمية من كل الشعوب ضد العسكرة وهدر الأموال على الأسلحة والحروب، ورفض الشعبوية وشعارات الحكام الأنانيين المأخوذين بأنفسهم ولا يهمهم مصير البشر، قد لا يكون الوقت قد نضج لتشكيل مثل هذه الجبهة ولكن بالضرورة ألا نسمح بأن تسبقنا الخطوات نحو الحروب وحينها لا ينفع الندم!