إسماعيل هنية ُيدرك اللعبة !

في خطوة بدت وكأنها ردا على إتفاقية المصالحة الفلسطينية التي وقعت في الدوحة مؤخرا بين محمود عباس وخالد مشعل ، والتي تقضي بتشكيل حكومة التوافق الوطني من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة الرئيس محمود عباس ، مهمتها تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء باعمار غزة .، فقد زار اسماعيل هنية رئيس الوزارة المقالة ايران ضمن جولة عربية وإسلامية رغم مطالبات دول عربية خليجية بالعدول عن تلك الزيارة ، وكذلك رفضه الإستماع لمطالبات قيادات الحركة في الخارج وجماعات الاخوان المسلمين بإلغاء الزيارة ، بإعتبار أنها تأتي في وقت تقدم فيه ايران دعمها الكامل والمؤيد للنظام السوري " العلوي " على حد تعبير الرافضين للزيارة ، مما يشير الى إصطفافات واضحة داخل الحركة بين تيار يقوده مشعل ورفاقه الساعين الى الانسحاب من محور إيران وحزب الله وسوريا نحو المحور السني المتمثل في قطر وتركيا والسلطة في فلسطين ، فيما يعتبرها هنية إستمرارا لعلاقات " طيبة " مع نظام لم يبخل بماله ودعمه على فلسطين ورجال المقاومة. والتأكيد على أن النصر الذي تحقق في الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة عام 2009 ، ونجاح صفقة شاليط وإعادة بناء ما دُمر في حرب إسرائيل كان بدعم من إيران .
يأتي رفض هنية و "إخوانه " في الداخل للإتفاق إستنادا لعدة نقاط ، أهمها عدم التشاور مع القيادة في غزة بخصوص اتفاق الدوحة حسب تصريح القيادي محمود الزهار الذي اعتبر الاتفاق خطوة " خاطئة " لم يتم التشاور فيها داخل حركة حماس ، وسابقة لم تحدث في تاريخ الحركات الاسلامية، وكذلك منح كوادر حركة فتح الحرية والعمل داخل القطاع بعكس ما تم الاتفاق علية في مصالحة القاهرة في أيار من العام الماضي ، ومنح الرئيس مهلة عام للمفاوضات مع إسرائيل ، وهو قرار يزيل الغطاء عن حكومة حماس المقالة ، و "ضربة " وجهت لقيادة الداخل لم تكن متوقعة حسب تصريح بعض قادة الحركة . لذلك فقد اعتبرتها قيادة الداخل أنها إتفاقية تصب في مصلحة حركة فتح وليس لصالح مشروع المصالحة .
ويبدو أن هنية عازم على إبقاء " شعرات" معاوية مع المحور السوري – الايراني قائمةباعتبارهما قوى إقليمية تتصدى للمشروع التوسعي الاسرائيلي والمشروع الأمريكي في المنطقة ، وقدموا للحركة والشعب في غزة كل الدعم والمساندة المطلوبة للصمود والمواجهة ، و تتعلق كذلك بأسباب ميوعة الجامعة العربية وضعفها للحد الذي باتت دولة صغيرة تحاول إختطاف العمل العربي المشترك وقرارات الجامعةالتي بدأ أنها تقدم خدمة مباشرة للمشروع الأمريكي وتوطىء له ، فأتخذت حماس الداخل على ما يبدو قرار عدم التعجل والمراهنة على المحور الأخر المنساق وراء المشروع الامريكي ،الى جانب أن ذلك المحور لم يقدم للحركة أبان الحرب على غزة سوى اصوات تطالبهم بالصمود وهم يواجهون مجازر وحرب عنصرية كان فيه امراء قطر ينعمون برمال وشواطيء تل ابيب بجانب قصورهم هناك ، وما شهده تاريخ من المماطلة والتسويف الذي مارسته السلطة حيال الاتفاقيات المتعدة مع الحركة خلال السنوات السابقة ، مما يجعلها تتمهل كثيرا قبل توقيع أي إتفاقية مستقبلية تسلم فيها الحركة كامل أوراقها للسلطة .
ويؤكد بعض قيادة الداخل أن زيارة هنية لإيران كانت استجابة لدعوة وجهت منذ اسابيع لإسماعيل هنية حتى قبل الحديث عن توقيع إتفاقية الدوحة وضمن جولة عربية وإسلامية متفق عليها ، ويبدو أن العامل المادي بدوره قد يكون سببا في الزيارة في وقت شحت فيه مصادر الدعم المالي العربي المقتصرة على السلطة دون القطاع ، حيث تحاول حماس تأمين مصادر مالية تواجه متطلبات القطاع والحركة في الداخل .
قد تبدو تحركات هنية دبلوماسية واقعية مرتبطة بالتاريخ ومتبصرة بما يجري ومتيقنة اكثر بما ستؤول اليه الحال ، وليست عاطفية مندفعة نحو تحالف جديد في المنطقة عنوانه الأبرز الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وخدمة إسرائيل وشطب مصالح الشعب الفلسطيني والبحث عن الوطن البديل ، فكان لا بد من المبادرة والتحرك الفوري من قبل حماس غزة بهدف تحقيق الدعم والمساندة للحركة من جهة ، وللإعلان عن رفض تجاوز الداخل الفلسطيني أو إلغائه كليا، وعدم الإنجرار وراء طموحات وأجندة عربية وغربية لن تحقق للشعب العربي والفلسطيني بخاصة إلا مزيدا من الانقسام والشرذمة وخدمة اسرائيل التوسعية ،فالتعجل أو الهرولة التي سلكها " مشعل " على حد تعبير البعض تجاه المحور الأمريكي – العربي وتحت ظروف الواقع العربي المترهل وضعف الجامعة العربية وتحت ضغط بعض الدول العربية لإعادة تنظيم وترسيم المنطقة ،يستهدف ضمن أهدافه شطب حقوق الشعب الفلسطيني وحرمانه حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقله لم يكن بالقرار الحكيم ، ولن يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني كما يتخيل البعض ، وما هي إلا شهور حتى تعود " حليمة الى عادتها القديمة " وتنفرد كل دولة بنفسها بعيدا عن هموم الأخرين وتحدياتهم ، ويبقى الشعب الفلسطيني في مواجهة منفردة مع إسرائيل التي قد تجد ضآلتها في تلك الإتفاقية لتحقيق مزيدا من التوسع وتأمين الأمن دون أن تقدم تنازلات تجاه حقوق الفلسطينين ، وهذا يعني أن إتفاقية الدوحة قد لا تجد لها طريقا للتطبيق أو القبول بها ، ومن ثم إفشالها في ظل رفض حماس غزة لبعض البنود التي وقعها مشعل ، والتي تحتاج الى تشاور ودراسة أكثر عمقا قبل التوقيع عليها والقبول بها .