وفاة برلسكوني… نهاية شخصية إيطالية مثيرة في عالم الأعمال والسياسة
أخبار البلد - كان سيلفيو برلسكوني، الذي توفى اليوم الاثنين عن عمر يناهز 86 عاما، قطبا مثيرا للجدل في مجال العقارات والإعلام وكرة القدم، سيطر على الحياة العامة الإيطالية، وأعاد تشكيل نفسه كسياسي محافظ عرضة للزلات الشائنة والمشاكل الدائمة مع القانون.
ولد برلسكوني في ميلانو في 29 أيلول/سبتمبر 1936، لأب يعمل كمسؤول في بنك وأم تعمل كسكرتيرة، حقق برلسكوني نجاحا مبكرا في مجال التجارة في السبعينيات، وأصبح شخصية مشهورة في الثمانينيات، وتحول للسياسة في التسعينيات، محققا نتائج باهرة.
وقال برلسكوني، الذي يبلغ طوله 65ر1 مترا، متحدثا عن نفسه بأسلوبه غير المحتشم المميز عام 2006″ نابليون فقط هو من قام بأكثر مما قمت به، ولكني بالتأكيد أطول”. وفي تصريح آخر، وصف نفسه” بالمسيح في مجال السياسة”.
وكان برلسكوني عندما كا طفلا يقوم ببيع التذاكر لعروضه التي يقدمها بالدمى المتحركة. وخلال المرحلة الثانوية، كان يقوم بكتابة الفروض المدرسية لزملائه مقابل الحصول على أموال منهم. وعندما كان طالبا في كلية الحقوق، اعتاد العمل في بيع المكانس وغناء أغاني الحب الفرنسية على متن السفن السياحية.
ويعد برلسكوني هو صاحب أطول فترة تولى لمنصب رئيس الوزراء في إيطاليا، حيث تولى المنصب في 1994 و 2001 2006- و .2011-2008 وكان صعود برلسكوني للسلطة سريعا، حيث فاز في أول انتخابات له عام 1994، حيث كان يترأس حزبا جديدا، يحمل اسم شعار في كرة القدم وهو ” إيطاليا إلى الأمام ".
وقد استقال من منصب رئيس الوزراء عام 2011، في ذروة أزمة ديون في البلاد ، هددت استقرار منطقة اليورو بأكملها، في الوقت الذي كان يخضع فيه للمحاكمة لاتهامه بالتهرب الضريبي و ممارسة الجنس مع عاهرة مراهقة، في القضية المعروفة باسم قضية حفلات ” بونجا بونجا”.
وانتهت قضية الجنس بالبراءة بسبب الافتقار للأدلة.
وتصدر برلسكوني أثناء توليه منصب رئيس الوزراء عناوين الأخبار بسبب سلسلة من الهفوات ، التي كان من بينها وصف بشرة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ” بأنها تبدو برونزية بسبب الشمس”، واتهام الألمان بانكار الهولوكوست و الزعم بأن الشيوعيين الصينيين كانوا يقومون بغلي الرضع في السبعينيات.
وعلى المستوى الدولي، ساند برلسكوني الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، واستضاف قمة خلال عام 2002 شهدت تقاربا مؤقتا بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا ، كما أقام علاقة صداقة عميقة مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، الذي يعتبره "واحدا من أعظم الساسة الأوروبيين”.
وفي إيطاليا، كان برلسكوني محبوبا ومكروها بنفس القدر مما أدى إلى انقسام البلاد إلى معسكرين أحدهما يؤيده، والآخر يعاديه.
وقد تعهد برلسكوني، عندما كان أغنى رجل في إيطاليا، بإدارة البلاد بنجاح يضاهي نجاحه في إدارة أعماله التجارية، حيث قدم وصفات تتسم بخفض ضرائب والتخلص من القواعد حظيت بالقبول من جانب النزعة الفردية الفطرية لدى أنصاره.
وبصفته قائد ائتلاف محافظ لم يكن له وجود قبل عام 1994، يرجع إلى برلسكوني فضل تحديث السياسة الإيطالية، على الرغم من أنه لن يقول الجميع أن التحديث كان للأفضل، كما أنه يُنظر إليه على نطاق واسع أنه نموذج لرجال الأعمال الذين تحولوا إلى سياسيين مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومما أثار الانتقاد ضده ، قيامه بتمرير تشريع لحماية نفسه من المحاكمة، وغض الطرف عن أي شىء من أجل مصالح الخاصة.
وتورط برلسكوني في العشرات من المحاكمات والتحقيقات، حيث واجه اتهامات تراوحت ما بين التواطؤ مع المافيا إلى تقديم رشاوى للنواب المعارضين والشهود في المحكمة . و أدين برلسكوني مرة واحدة فقط، ويرجع ذلك جزئيا إلى قوانين الحصانة التي دفع لتمريرها.
وقد أدين برلسكوني عام 2013 بتهمة تتعلق بالاحتيال الضريبي بقيمة ملايين اليورو، كما تم طرده من البرلمان ومنعه من تولى منصب عام حتى .2018 ولكنه تجنب السجن، وبدلا من ذلك، أدى خدمة مجتمعية في مركز للمصابين بمرض الزهايمر لمدة 10 أشهر.
وقبل دخوله مجال السياسة، بنى برلسكوني أحياء فاخرة في الضواحي ، واستحوذ على محطات تلفزيونية، فيما يشبه الاحتكار، بفضل الرعاية السياسية من جانب الزعيم الاشتراكي في الثمانينيات بيتينو كراكسي، كما قام بشراء نادي ” ايه سي ميلانو”، ليحوله لنادي كرة القدم الأكثر نجاحا في أوروبا.
وبعد استقالته من منصبه عام 2011، توارى برلسكوني عن الأنظار، على الرغم من عودته للظهور من حين لآخر.
ولم يحقق برلسكوني مطلقا حلمه في أن يصبح رئيسا للجمهورية الإيطالية.
ومن ناحية أخرى، توقف ناديه المحبب ” ايه سي ميلانو” عن الفوز، وتم بيعه في النهاية إلى مستثمرين صينيين.
وبدأت صحة برلسكوني، الذي وصفه أطباؤه في السابق” بالخالد” في التدهور، حيث دخل للمستشفى عدة مرات لعدة أسباب، من بينها الخضوع لجراحة قلب مفتوح خطيرة خلال عام 2016، والتهاب رئوي مضاعف له صله بفيروس كورونا خلال عام 2020 و الاصابة بالتهاب في المسالك البولية عام .2022
وقد توفى برلسكوني اليوم في ميلانو، بعد دخوله المستشفى الجمعة الماضية لخضوعه لفحوصات دورية ، حسب ما قاله الأطباء.
وسواء كان برلسكوني شخصية جيدة أو سيئة، فإنه بالتأكيد سوف يتم تذكره على أنه شخصية فريدة من نوعها.