من هو المثقف؟

أخبار البلد-

ليش شرطاً أن يكون المثقّف شاعراً أو قاصاً أو ناقداً أو أديباً في أيّ حقل من حقول الأدب، إلاّ أنّ من أهمّ شروط الأديب أن يكون مثقفاً وإلاّ فقدت نصوصه الأدبيّة جوهرها الفكري وقدرتها على التأثير والإقناع، لأنّ الأدب وسيلةٌ أيضاً من وسائل تعبير المثقف عن رؤيته ورؤية المجتمع من حوله، وهو وسيلة أيضاً من أهم وسائل قيام المثقف بأداء دوره في خدمة المجتمع والأمّة والإنسانية، فإن لم يكن الأديب صاحب فكر ورؤية ومنهج وهدفٍ إيجابي نحو خدمة مجتمعه ووطنه وأمته وخدمة الإنسانية فسوف يأتي إنتاجه الأدبي باهتاً فارغاً من أي قيم? وممجوجاً وسريع التبدّد والتلاشي.

ولذلك فإنّ الذين يعتقدون بأنّ المثقف هو الأديب شاعراً كان أو قاصّاً أو ناقداً إنّما ينطلقون من القاعدة التي ترى أنّ الأديب لا بدّ أن يكون مثقفاً كي يكتب لأدبه النجاح وحسن التلقي والخلود، غير أنّ مفهوم المثقف أوسع من ذلك ويشمل كلّ صاحب معرفة وفكرٍ ورؤية وموقف ومنهج وهدفٍ إيجابي وأن يعبّر عن ذلك بأيّ وسيلة من وسائل التعبير سواءً أكانت أدباً أم نقداً أم مقالة أم كتاباً أم تعليماً في أي مؤسسة تعليمية أم مشاركة في ندوةٍ أو مقابلة في صحيفة أو محطة إذاعية أو قناة تلفزيونية أو مهرجان خطابي أو غير ذلك، والأهمّ من ذ?ك كله أن يعبّر عن رؤيته وموقفه تعبيراً عمليّاً حين يكون قدوة في سلوكه وتعامله ومظهره وذوقه.

أمّا المعرفة فهي المادّة التي تتشكّل منها الثقافة، ومن دونها يصبح الكلام هراءً، ولا بدّ من تحصيل المعرفة من أجل إنتاج المعرفة والبناء عليها. وأما الرؤية والمنهج والهدف والموقف فهي أركان الالتزام الذي يحدّد الهويّة الثقافية للمثقف، ولا ضير في اختلاف المناهج وتعدّدها ما دام يجمعها هدفٌ أو أهداف مشتركة إيجابية.

وأمّا إيجابيّة الهدف والمسعى، بمعنى أن يصبّ العمل الثقافي للمثقف في مصلحة المجتمع والوطن والأمّة والإنسابية أو مصلحة أيّ منها وأن تكون هذه المصالح منسجمة ومتّسقة في إيجابيتها، وشرط الإيجابية على هذه الصورة هو ما يجعل من الإنسان مثقفاً، ومتى تخلى عن هذه الإيجابيّة فإنه يكون قد تخلّى عن صفة المثقف حتى لو امتلك شروط المعرفة- اكتساباً وإنتاجاً- لأنّ الهدف من المعرفة والثقافة هو المشاركة في البناء وليس الهدم وتقويض المنجز دون اقتراح البديل الأفضل.

وأمّا شرط القدوة فهو مرتبط بالمعنى اللغوي الأصلّي للمثقّف وهو السيف أو الرمح المصقول، كالذي في قول عنترة بن شدّاد:

ولمــّا أوقدوا نار المنايا بأطرافِ المثقفة العوالي

والمــثقّف وفق هذا المعنى هو الشخص المصقولُ خلقاً وسلوكاً وفكراً، ومن كان كذلك فلا بدّ أن يكون قدوة للآخرين.

وعلى ذلك فإنّ المثقفين في أي مجتمع- سواءً كانوا أدباء أم سواهم- يشكلون ركناً أساسياً من أركان بناء المجتمع السليم وأنّ سلامة المجتمع واستمرار تقدّمه وتطوّره يرجع في قدر كبير منه إلى الدور الذي يقوم به هؤلاء المثقفون في البناء والإصلاح والنهضة والتقدم.