وين الملايين؟
وين الملايين؟
فوسفات الأردن وين؟ بوتاس الأردن وين؟ مينا الأردن وين؟
وين الملايين؟
طيور الشؤم وين؟ أصحاب الفلل وين؟ أصحاب الفيل وين؟
وين الملايين؟
منذ زمن طويل وهذا السؤال متلعثم على ألسنة عوام النّاس، وهم يرون كلّ شيء مباحا في هذا الوطن، وكلّ شيء مستباحا في هذا البلد؛ فالأراضي تباع بالملاليم إلى ذوي الشأن والمنصب. والثروات الوطنية تخصخص؛ ماءً وترابًا وفضاءً. وميزانية المملكة مكدّسة بمدينوية أسيّة فاقت الوصف والتقدير. وكراديس السّماسرة والمرتشين يتوافدون؛ كردوسًا إثر كردوس. فما إن نتنفس الصعداء برحيل كتيبة منهم، فإذ بكتيبة أخرى تستلم راية السرسرة، لاعنة أختها ومتفوقة عليها؛ وإنْ تملّك السابقون منهم بيوتا فقط، نجد اللاحقين يتملكون الفلل والضياع والبساتين المبستنة، والمسابح المعطّرة، والملايين التي يتساءل عنها الفلاحون والمزارعون في قراهم وأغوارهم، والمهنيون وأرباب الصّنعة في مصانعهم وورشهم، والرّعاة وأصحاب الحلال في بواديهم، والموظفون في مكاتبهم وغيرهم الكثير من أبناء هذا الوطن، والذي ما زال يتساءل عن هذه الملايين والمليارات المنهوبة؛ في أيّ جيب هي؟ وفي أيّ بنك هي؟ ومن هم أصحاب الجيوب المنتفخة. انتفخت جيوبهم البارحة، وتهاوت كرامتهم اليوم، وتساقطت هيبتهم كثمرة فاسدة سقطت من أعلى الشجرة تزاحم الدّيدان والهوام والجرذان في أسفلها؛ علْيَة يفترض أن يكونوا في القوم‘ فإذ هم بنظر ذات القوم سفلة مفلسون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
أتدرون من المفلس؟ . قالوا : المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ،وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقعد فيقتص هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه ؛ أخذ من خطاياهم فطرح عليه ، ثم طرح في النار. أو كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
فما مصيركم وأنتم لا تعرفون صلاة ولا صياما ولا زكاة! وما مآلكم وأنتم قد شتمتم المواطن، وقذفتم الوطن في أتون المديونية، وأكلتم مال هذا وذاك وهؤلاء، وسفكتم كرامة هذا وضربتم أؤلئك. وبعد كلّ ما اقترفتموه، هل سنجد في جعبتكم حسنات نقتص منها؟ بل هو البديل الآخر، بديل يطرح فيه سبعة ملايين مواطن من خطاياهم عليكم، ومن ثمَّ......... ستصلون سقر.
حوار افتراضيّ:
الشرطيّ يحمل بيده( الكلبشات) وينظر في عينيّ المتهم بالفساد متشفيا وقائلا: مدّ يديك دولتك. احنِ رأسك ياباشا. سلّم أغراضك وحوائجك الخاصة في عهدة السجن يابيك. ارتدِ البدلة الزرقاء عطوفتك. اقضِ حاجتك في ذاك الدّلو معاليك. تقيّد بتعليمات الجويدة أو سواقة سعادتك. انتظم بالدّور على طابور الطعام سيادتك.
المتهم بالفساد مناجيا نفسه ومعزّيها: صحيح أنني أُهنت إهانة ما بعدها إهانة، ولكن ما زالت كرامتي محفوظة؛ لأنّ الشرطي مازال يخاطبني بدولتك وبالباشا والبيك والمعالي والسعادة والعطوفة والسيادة.
سمع الشرطي المناجاة، فرمقه بنظرة احتقار، ومن ثمَّ أدار له ظهره، وسار في طريقه مرفوع الرّأس منتصب القامة.
العنوان من وحي كلمات الشاعر الليبي علي الكيلاني.