خياراتنا ليست محدودة في الاقتصاد يا دولة الرئيس



بدا رئيس الوزراء عون الخصاونة في مقابلة مع برنامج "ستون دقيقة" أمام خيارات محدودة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي على رأسها فاتورة النفط الباهظة، وعجز الموازنة، وتنامي الدين العام، ليكتفي بالقول إن الحكومة تسعى مع بعض الدول لإيجاد مصادر بديلة للطاقة.
الرجل يعتقد بأن إقرار تعديل تعرفة أسعار الكهرباء للشرائح العليا التي تشكل كما تقول الحكومة 8 في المئة من السكان، سيفضي إلى توفير 220 مليون دينار سنويا، وضرورة خفض الاستهلاك الذي يعتبر الرئيس أنه لم يعد ممكناً كما في السابق.
ألا يعتقد الرئيس بأن إصلاحاً ضريبياً يعتمد المبدأ التصاعدي للأفراد وحتى الشركات كما ينص الدستور؛ سيوفر عشرات الأضعاف لذلك المبلغ، ما يثير تساؤلا عن لجوء الحكومة لأسهل الطرق وهي فواتير لحاجات أساسية للمواطنين.
هنالك إجماع عام على ضرورة ترشيد الاستهلاك ليس للطاقة فقط، بل على المستويات كافة وللأفراد الطبيعيين ولإنفاق الحكومة أيضاً، لكن لا يمكن تجاهل عجز البعض عن توفير الحد الأدنى من مقومات التدفئة والإنارة وحتى الغذاء، مقابل بذخ غير مقبول لدى شريحة أخرى.
قانون الضريبة يثير كثيراً من التساؤلات، إذ يستوفى عن الدخل الخاضع للضريبة للشخص الطبيعي بنسبة 7 في المئة عن كل دينار من الـ 12 ألف دينار الأولى، و14 في المئة عن كل دينار يزيد على ذلك، فأين الشرائح الأخرى؟
بمعنى أن من دخله السنوي بحدود 12 ألف دينار ودينار واحد؛ يتساوى ومن دخله 100 ألف دينار سنويا، ما يعكس خللا واضحا في القانون، ويؤكد أنه من الضروري استحداث فئات أخرى غير تلك التي تحددت عند 12 ألف دينار سنويا وأكثر.
وتستوفي الحكومة ما نسبته 24 في المئة من شركات الاتصالات الأساسية وشركات التأمين وشركات الوساطة المالية والشركات المالية، بما فيها شركات الصرافة، والأشخاص الاعتباريين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي، و30 في المئة من البنوك، فكيف يكون هنالك عدالة إن ربحت شركة في الشريحة الأولى 100 مليون دينار، بينما لم يتجاوز ربح شركة في الشريحة الثانية مبلغ 50 مليون دينار؟
لماذا لا تطبق الحكومة الرؤيا نفسها التي اعتمدتها في تعديل تعرفة أسعار الكهرباء للشرائح العليا على المنظومة الضريبية أيضاً؟ وللعلم فقط فإن نسب الضريبة في الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح بين 10 في المئة كحد أدنى، وبدخل بين صفر و8.7 ألف دولار سنويا، و35 في المئة كحد أعلى، وبدخل يتجاوز 380 ألف دولار.
غير ذلك؛ فإن ضريبة المبيعات وإن كان المجال لا يتسع لشرحها في هذه المساحة الضيقة، إلا أن من الضرورة بمكان ذكر الإعفاءات الأخرى التي حصلت عليها مؤسسات في وقت غابت فيه الولاية العامة كما ذكر الرئيس، إذ أن المنشآت السياحية - فنادق ومنتجعات - تتمتع بامتيازات دفعت أصحابها اعتماد معادلة "بيع قليل وربح كثير"، وهو مفهوم خاطئ في سوق حر اعتمدته البلاد، ويقوض المنافسة.
وإن كان هنالك من يردد بأن رفع كلف السياحة سيطرد الزوار من البلاد؛ فهو كمن وجد مخاوف المستثمرين حجة لوقف مكافحة الفساد، هذا إذا تجاهلنا كم ستعوض تلك المنشآت من إيرادات إذا تم استقطاب سياح محليين معفيين بدلا من الذين سيحجمون عن القدوم، على الأقل سنضمن النشاط الاقتصادي وتوفير الوظائف.
في بلد يعتمد في معظم موارده على المساعدات والضرائب وسط مخاوف من إحجام دول عن تقديم المعونة، فإن هنالك ضرورة لإحداث إصلاح نوعي في النظام الضريبي، خصوصا إذا ما ظهر حجم الفجوة بين الطبقات الغنية ومقابلها المتوسطة والفقيرة.
الرئيس يتحدث عن حالة انكماش بسبب فاتورة النفط المرتفعة، فضلا عن ارتفاع مستوى المعيشة وازدياد عدد الوافدين، ومخاوف من تبديد المعونات في دفع النفط كبديل لانقطاع الغاز المصري، في المقابل لا يجب أن تبقى خياراتنا محدودة وعند فاتورة كهرباء أو رفع الدعم عن السلع، على الأقل نرغب بتطبيق الدستور في الشأن الضريبي كما يعتمده الرئيس في استرداد الولاية العامة.