لماذا رفع المركزي سعر الفائدة?

قرر البنك المركزي الأردني رفع أسعار الفائدة الرئيسة على أدوات السياسة النقدية لديه بمقدار (50) نقطة أساسية اعتبارا من 5 شباط ,2012 ربما لرغبة البنك بزيادة الفارق في أسعار الفائدة ما بين الدولار والدينار الأردني, وتشجيع العزوف عن الدولار لصالح الدينار, أو لأجل رفع احتياط البنوك الفائض لديها والذي وصل في 4 شباط 2012 الى 2740 مليون دينار, ولكن حسب تصريح البنك فإن هذه الخطوة ستؤدي الى تحفيز النمو الاقتصادي, وهو ما لا نتفق معه فيه, بل إنها ستؤدي الى تعميق الركود الذي نعانيه.

وبالمناسبة, فإن المركزي ليس بحاجة للمزيد من الاحتياط من العملات الأجنبية, ففي عام 2008 حين وصل سعر برميل النفط الى 141 دولارا كان احتياطه من العملات الأجنبية 7090 مليون دينار, وفي 2011 حين كان سعر البرميل أقل من 100 دولار بلغ الاحتياط من العملات الأجنبية 9350 مليون دينار أي أنه ارتفع بنسبة 32%, لذا لا داعي لرفع سعر الفائدة الآن.

وفي 2008 كان مجموع الودائع بالدينار في القطاع المصرفي 13544 مليون دينار وأصبح 19709 مليون دينار في 2011 أي بزيادة 60 بالمئة, مما يعني أن المصارف لا تعاني من قلة الودائع; كما أن الإيداعات بالعملات الاجنبية لدى البنوك ارتفعت من 5312 مليون دينار في ذات الفترة الى ,5580 اي بنسبة لا تذكر بالاقرام المطلقة, وبهذا انخفضت نسبة الايداعات بالعملة الأجنبية الى الايداعات بالدينار في هذه الفترة من 39 بالمئة في 2008 الى 28 بالمئة, مما يعني ان التوجه نحو الدولار انخفض بشكل كبير نسبيا, وانه ليس هنالك "دولرة" في الأردن, لذا لا يوجد داع الآن الى رفع سعر الفائدة على الدينار.

ولكل قرار تبعاته وإرهاصاته, فرفع سعر الفائدة لدى المركزي سيؤدي الى ارتفاع الاحتياطات الفائضة لدى البنوك وإيداعها مع المركزي بدلاً من توفيرها للناس وللمستثمرين, وسيزيد من كلفة الاستثمار في زمن تشح فيه الاستثمارات التي وصلت الى أدنى مستوياتها منذ ,2005 وايضا يلاحظ ان الحكومة استدانت قبل أيام 50 مليون دينار من البنوك الأردنية بسعر فائدة يفوق قليلا 6.4%, ورفع سعر الفائدة سيزيد من تكلفة اقتراض الحكومة. 

وبهذا فإننا نجد أيضا أن السياسة النقدية تؤدي الى تعميق الركود الاقتصادي مثلها في ذلك كما السياسة المالية الحالية كما تبين بوضوح في موازنة هذا العام التي أعيدت للحكومة, كما أن كلا من البنك المركزي ووزارة المالية يزاحم القطاع الخاص الى خارج سوق النقد وسوق المال, وهذه مدرسة خطرة التوجه والأثر, وتنافي كامل الفكر الاقتصادي وكل مدارسه البحثية. 

أيضا, يؤخذ على القرار كونه مضرا بالسوق المالي الذي عانى ما عاناه بسبب أحادية القرارات والتخبط في التعامل معه سواء من قبل الاجهزة التنظيمية أو مما يحيطه من سياسات اقتصادية كان يجب عليها رفده, وحين بدأ السوق المالي بالتعافي أتى قرار المركزي ليوجه الاموال نحو الودائع (بالرغم من كثرتها كما بينت سابقا) بدلا من الاستثمار في السوق المالي ويجعل من الاقتراض من أجل الاستثمار في السوق المالي أكثر كلفة.

أما بالنسبة للتضخم فلن يكون لقرار المركزي أي أثر, وأذكّر ببحوث المركزي ذاته ومقولتها في 2008 بأن غالبية الغلاء مستورد, وهو أمر لا يزال قائما حتى الآن حيث نستورد 97 بالمئة من احتياجاتنا للطاقة و87 بالمئة مما نأكل, فكيف سيؤدي هذا القرار الى كبح الغلاء وهو ليس موجودا أصلا فالغلاء العام الماضي لم يتجاوز 5 بالمئة في أسوأ الحالات.

وقد يكون صحيحا ما يدعيه البعض بان سعر الفائدة ليس العامل الأهم بالنسبة للمستثمر ولكنه أحد العوامل وربما اهمها لدينا في زمن ابتعاد الاستثمارات عن الأردن بسبب شلل القرارات الاستراتيجية المحلية وفشل السياسات وعدم اهتمامها بتحفيز معدلات النمو. 

ومع تراجع الاستثمارات سيتراجع الاستهلاك, وخاصة بالنسبة للسلع المعمرة كما هو الحال في قطاع العقارات الذي أعادت وزارة المالية الرسوم اليه دون تردد وفي زمن الركود, وها هم المقاولون يبشرون بتخفيض استثماراتهم في هذا القطاع مما سيضر بحوالي 42 قطاعا آخر (حديد, اسمنت, أخشاب, المنيوم, الخ..) يعتمد عليه ويرفده, والحبل على الجرار.