على طاولة القمار .. قدود حلبية وخازوق من جبل الشيخ الى مشهد .

هذه الأيام الحمراء أيام لاتحب الخطابة ولاتحب الشعر .. ولاتهتم بالرثائيات والبكائيات والنواح .. وهذه الأيام أيام لاتعنيها لغة الوعيد ولاالتهديد ..ولاتعبأ بلغة القدح والذم والتخوين والتجريم والقاء اللوم على القتلة والمؤامرة.. ولاأكذب ان قلت انني لاأستطيع سماع الشعارات ورفع السبّابات والتلويح بالويل والثبور وعظائم الأمور .. الأزمة السورية أطلقت بسرعة مجتمعا ناضجا وواقعيا لايبحث عن الأساطير والشعراء والبلغاء والفصحاء والأصوات العالية .. بل تعنيه المواجهة مع الأسئلة الصعبة والخيارات والتحقيق الشاق مع الشروح والتفاسير .. وهو مستعد لسماع الأخبار القاسية على حقيقتها بدل الأخبار المخدرة والمهدئة المورفينية .. ومستعد للقاء أخبار الخسائر كما أخبار الانتصارات .. الشعب السوري علمته الأزمة أنه هو الحقيقة الباقية التي يؤمن الغرب أنها يجب أن تموت .. ولكن من يمتلك قلبه الحقيقة لا يموت.. ومن تمتلك قلبه الحقيقة لاتفرط به..
 
في كل يوم كنت أتصفح الأخبار لأتابع الأحداث كنت أمسك قلبي قلقا .. وأصاب بالشرود الذي قلما لايقاطعه من حولي بالتساؤل عما يدور في خلدي .. والسبب في ذلك أن كل ماتوقعناه مع مجموعة من المخلصين والباحثين الأوروبيين النشطاء في استقصاء الحقيقة خلال هذه الأشهر الماضية كان قريبا الى حد كبير من الصواب .. منذ أن توقعنا انهيار المجموعات المسلحة في حماة الى تقهقر تركيا "التكتيكي" وترددها الاستراتيجي .. الى اندفاع روسيا المدهش للدفاع عن شوارع موسكو بالاستنفار على تخوم دمشق رغم كل ماقيل عن تعب روسيا من التعب السوري واللعبة الدولية .. وكذلك كان مارصدناه معا عن احتواء الديبلوماسية السورية لحماقات وبهلوانيات الجامعة العربية صوابا الى حد كبير .. بل ان ماتوقعناه في مقالة سابقة بأن حلب هي الهدف الثاني للتفجيرات بعد دمشق ثبت أنه دقيق بدليل أحداث الأمس .. وسبب نجاح استقرائنا لما سيحدث هو الدراية الكاملة والواعية بعقل المعارض العربي  (والسوري طبعا) وسادته .. والدراية بعقل ووطنية الممانعين على الطرف الآخر .. ولعل الأهم هو الدراية بالعقل الذي يعرف العقلين السابقين ..العقل الغربي الاستعماري ..
أما سبب قلقي فهو أننا كنا ندرك أن معسكر الشر الغربي -العربي قد أصيب بحالة الانكار التي تصيب المقامر .. وأننا صرنا أمام مقامر لم يخسر في حياته ولكنه في هذه اللعبة ..بدأ يخسر .. فكما نلاحظ فان الغرب أفسح المجال لاطلاق الاستغاثات على كل قنوات العالم بل وغامر الملك السعودي -خادم الناتو الشريف - بهيبته من جديد وأصرّ على الادلاء بدلوه في امتعاضه من سوء أداء مجلس الأمن رغم انه لم يكن له دلو ولا لكل ملوك السعودية في كل حروب اسرائيل علينا وفي كل فيتوات أميريكا ضد الفلسطينيين .. ثم لاحظنا الحملة الاعلامية الهائلة بعد الفيتو الروسي وتشغيل الماكينة الدينية بأقصى طاقتها عبر اتحاد العلماء المسلمين الذي بدا أنه "استدعى الله ورسوله" على عجل - كالعادة عندما تحل الزنقة بالأمريكان - للعمل مع المعارضة السورية .. وشغّلت خطوط تصنيع الفتاوى الجهادية بأقصى طاقاتها بل وزجّت الماكينة الدينية "بملائكة لم تروها" على متن الخيول البيضاء في حمص كتأييد من عند الله .. واستدعاء الله والملائكة لم يتم خلال كل حروب اسرائيل مع العرب .. فالله لاتعنيه القدس ولاأقصاها المبارك ولاصخرته ولاغزة هاشم، بل حمص وبابا عمرو وحي الانشاءات .. والملائكة لاتجيد ركوب الخيول البيضاء على تلال القدس ولا في مخيم جنين (الذي اجتاحه شارون على مرأى من الملائكة) بل تجيد ركوب الخيول في زواريب باب الدريب والخالدية !! .. كل هذا كان يدل بشكل أكيد على أن المجموعة الغربية تريد تحضير الرأي العام العربي والعالمي لحملة داخلية دموية في سورية .. ومن هنا أدركت أن المعارضة تحضر يديها لتغطيسها بدم السوريين حتى المرفقين ..وستتغرغر بهذا الدم وتتوضأ به وتأخذ دوشا بالدم الساخن بعد أن تأتيها الفتاوى بالبراءة ..
 
في قراءة العقل الغربي لانحتاج كثير عناء وبحث لمعرفته لأننا كثيرا ماشاهدناه في أفلام الكاوبوي حيث المقامر على طاولة القمار في مدينة من مدن رعاة البقر .. يلعب المقامرون الورق وهم يدخنون فيما تغني غانية حسناء وترقص على المسرح وتعلو حولها الصيحات والضحكات السكارى .. واذ بالمشهد يتغير عندما يقف أحد المقامرين ويرفع مسدسه في وجه اللاعبين وتتطور الأحداث اما بارتكابه مجزرة بعد تحطيم الحانة وتكسير الطاولات والنوافذ كما هي كل مشاهد الأفلام الأمريكية .. أو تنتهي بمقتله على يد بطل صادف وجوده في المقهى حيث يرديه بطلقات من مسدسه ويغادر بهدوء لايلوي على شيء كأن ماحدث يشبه عملية صيد لأرنب بري .. الحقيقة أن هذا المشهد هو جزء من الثقافة السياسية للنخب الحاكمة الغربية ..هذه العقلية هي التي تسيطر على هذه النخب وخاصة الامريكية القادمة من تكساس ولاس فيغاس وغيرها ..

فالمشهد السوري هو طاولة قمار عليها لاعبون تبين لمجموعة منهم أنهم بدؤوا يخسرون .. فاللاعب الروسي دفع بورقة الفيتو وتلاه اللاعب الصيني ..الورقة (الجوكر) كسرت اللعبة وجعلت من بقية الأوراق خاسرة .. وهنا يبدأ المشهد ..اللاعب الغربي - الأمريكي يتحسس خصره ويضع يده على مسدسه ويرفع الديك ويستل المسدس ويشهره في وجه الجميع ..ويريد قلب الطاولة والاستيلاء على المال بالقوة ..وهنا اما أن يظهر بطل وينهي المشهد ويردي هذا المقامر صريعا .. أو أن كل المقهى -وليس الطاولة وحدها- سينقلب .. والمقهى هنا هو كل الشرق ..والطاولات هي كل دول الشرق بما فيها الطاولة التركية والاسرائيلية والخليجية والايرانية .. اما المغنية فهي برهان غليون التي تقبض مالا وتؤدي دورها مع الراقصة سعد الحريري .. فيما السكارى هم القرضاوي والعرعور ومنصف المرزوقي ومصطفى عبد الجليل وكل ثورجية العرب من طبرق الى جسر الشغور..

العقل الغربي عقل مصاب بغرور وصلف ولايقبل الهزيمة وهذه هي أم مشكلاته كما يقول مؤرخو الغرب أنفسهم ..فالهزيمة الصغيرة عبر التاريخ ضرورة كي تتجنب الأمم الهزائم الكبرى بمغامرات الواثقين بنصرهم الدائم .. فالغرب يعتقد أنه هزم بونابرت وهزم هتلر وهزم امبراطور اليابان .. والغرب يرى أنه هو الذي هزم الامبراطورية العثمانية وهو الذي هزم الشيوعيين .. وهو من هزم عبد الناصر وصدام حسين .. لكن يحاول هذا العقل تجاهل حقيقة مخيفة وهي: أن كل هذه الانتصارات الغربية كانت بسبب عامل مهم وهو العامل الروسي ..فهزيمة نابوليون بدأت في روسيا وليس في معركة ووترلو مع دوق ولينغتون ..وهزيمة هتلر كانت بسبب الجبهة الروسية والبرد السيبيري .. وهزيمة اليابان كانت بسبب اشتراك روسيا في الحرب ضدها حتى أنهكتها ولم تخسر اليابان بسبب الضربة الذرية بل لأنها كانت هزمت عمليا قبل ذلك والقنبلة الذرية لم تفعل سوى تقصير أمد الحرب بضعة اسابيع  (راجع دراسات الحرب العالمية الثانية).. أما تفكيك الامبراطورية العثمانية فلم يغب عنه الدور الروسي الذي أنهك الاتراك والذي يقال انه سبب نقمة الاتراك على الأرمن واتهامهم بالتآمر مع روسيا فارتكبوا مجزرة الأرمن المروعة والبشعة .. وهزيمة ناصر لم تكن نهائية فالرجل نهض ولولا رحيله لتغيرت الدنيا ..أما هزيمة صدام حسين فلأن روسيا كانت غائبة كليا .. وتبقى هزيمة الشيوعية فسببها داخلي بحت .. أي روسيا هزمت نفسها ..
 
العقل الغربي لايقبل الهزيمة الآن لأن الهزيمة هنا في المشروع السوري نهائية له خاصة أن الروس طرف حاسم فيها كما في كل الهزائم التاريخية لأعداء روسيا .. فكل من هزم في معركة فاصلة لم ينهض بعد هزيمته .. والعقل الغربي يعرف أن كل مشروعه الواعد بايقاف الزمن الصيني والروسي القادمين متعلق بتحطيم الشرق كله وركوب الاسلام الجهادي لاطلاقه نحو الشرق الأقصى ولجعله حاجزا نفسيا وبشريا أمام طموحات الامبراطوريات الناهضة أو على الأقل القوى الناشئة .. فلن يحمي الغرب الا الجهاد الاسلامي الذي كان ينقذه في كل زنقة من زنقة أفغانستان الى زنقة الراحل معمر القذافي زنقة زنقة .. ولب المشروع يكمن في اصعاد الاخوان المسلمين والتيارات الدينية السلفية التي ستشتغل كخادم أمين مخلص وكنمر السيرك ..لمواجهة التنين الأصفر والدب الروسي ..
العقل الغربي تعامل مع التحديات التاريخية بعقلية الحواجز البشرية والثقافية وهي اختراع أنكلوساكسوني عبقري ..فمثلا أقيمت اسرائيل كحاجز بشري بين آسيا العربية وشمال افريقيا العربي .. وأطل مشروع الدولة الكردية لأول مرة في التاريخ عندما خشي البريطانيون من امتداد الحركة الشيوعية من الشمال (روسيا) نحو الجنوب حيث نفط الخليج العربي وحيث الشيوعيون العرب في العراق وبلاد الشام فكان من الضروري خلق حاجز بشري مغاير عبر تفعيل القومية الكردية لاقامة دولة كردية تعمل كالسور الواقي من ايران الى سواحل المتوسط ..وفي اندونيسيا وتيمور الشرقية وماليزيا تم تغيير التوزع والكثافة السكانية بحيث تضمن الحواجز البشرية مصالح البريطانيين ..وهي نفس اللعبة التي تمت في الخليج العربي حيث عمل الحكام الحقيقيون للخليج (وهم مجموع السفراء البريطانيين) على تشجيع استقبال مهاجرين بحيث صارت الكثافة العربية في بعض المناطق شديدة الضآلة وفي مرحلة لاحقة سيتم اعلان أجسام قومية غريبة عن الخليج بحجة الحقوق السكانية للأكثرية (ديمقراطيا وعبر صندوق انتخاب) ..

وفي التحدي الحالي الذي رصده الغرب باكتشاف امكانات الصين ويقظة روسيا من اغفاءة (البيريسترويكا الغورباتشوفية) واكتشاف امتداد هذا الوحش الاقتصادي نحو ايران واطلاله على العراق وسوريا كان لابد من خلق حاجز ثقافي بشري ..لأن الغرب تنبه الى أن الروس الهابطين من الشمال قد قفزوا فوق احتمالات الدولة الكردية والتفوا حول هذا الحاجز الكردي التركي ووصلوا من جديد الى تخوم الخليج العربي عبر الامتداد الايراني العراقي السوري .. ويجب رفع السواتر الترابية والاسمنتية في وجه هذا التهديد لخنقه خلف حدود الشرق الأوسط .. فاسقاط الصين وروسيا معا يقتضي اسقاط سوريا وايران والعراق ..واسقاط سوريا هو المفتاح وقطعة الدومينو .. التي تعني اقامة الحاجز البشري الثقافي المغاير عبر كتلة اسلامية ممتدة من شمال افريقيا الى تركيا مرورا بسوريا والجزيرة العربية .. وهذه الكتلة الاسلامية سيتم تشغيلها في مواجهات بينية وصراعات داخلية (سنية شيعية وفارسية عربية) تسقط بها ايران تلقائيا وتستدعي الحروب والنزاعات التواجد الغربي العسكري (بغطاء أمم متحدة وحروب اهلية) والدعم السياسي لكنها في نفس الوقت ستكون مطواعة بيد الغرب لمنع تقدم الصينيين والروس غربا بل والتحكم بكل استثمارات الصين وروسيا في كل هذه المساحة الهائلة ..
 
مايثير أعصاب الغرب هو استحضار الحقيقة التي حاولوا تجاهلها وهي أن روسيا لم تدخل يوما حليفا مع أحد الا وانتصر بها حتى الغرب .. واليوم تقف روسيا ضد هذا الغرب وترجح الكفة ضده لصالح الصين ..ولم يفلح الغرب في استتئصال روسيا من معادلة سوريا وايران ..بل دخلت الصين الى المعادلة وربما بدأ ذلك منذ اللقاء الأول لمجموعة شانغهاي بحضور الرئيس الايراني أحمدي نجاد .. ولذلك هناك حالة من العصاب والتوتر الغربي لوضوح ملامح تآكل أو تشوه المشروع الاسلامي الذي نهض بعد أن رعته الولايات المتحدة منذ غزوها أفغانستان لأول مرة عبر المجاهدين العرب والافغان وحركة طالبان واسامة بن لادن ..مشروعها الاسلامي الحالي في حلقته الجديدة الذي أطلقته في شمال افريقيا ليست له أية قيمة اذا بقي هذا الخازوق الايراني العراقي السوري الذي تمسك به الصين وروسيا بقوة ليدق في أسفل الهيمنة الغربية .. وهذا الخازوق "خازوق دق بأسفلهم من جبل الشيخ الى مشهد"..سيضر كثيرا بخازوق آخر هو "خازوق دق بأسفلنا من شرم الشيخ الى سعسع"..أي اسرائيل على وصف المبدع نزار قباني ..
وبالعودة الى المشهد الواقعي .. فهم الغرب الفيتوين الروسي والصيني على أنه بداية هجوم معاكس سيبدأ من حمص فاشتد النحيب والبكاء والعويل واستدرار الدموع وحلب الضرع الديني والفتاوى .. وتعبر بعض التقارير غير الرسمية التي بدأت تتسرب بلا مبالاة بها منذ بداية معركة حمص أن الخشية هي أن تثاؤب السوريين طوال الأشهر الماضية وغض الطرف عن حمص كان ربما الخدعة الكبرى .. فالسوريون كانوا يفاوضون الغرب والأتراك على بعض التفاصيل والتراجعات في المواقف التركية وكذلك لمنع حدوث مجزرة .. لكن الايحاء بأن معركة حمص ستكون فاصلة جعل معظم الجهد المسلح والجزء الكبير من المقاتلين يتجمعون لمعركة "كابول" في حمص .. وقال تقرير اذاعي سويسري في تعليقه ساخرا: ربما استعمل السوريون خدعة رئيس البيرو السابق "البيرتو فوجيموري" عام 1996 عندما احتجز ثوار (توباك أومارو) مئات الرهائن في منزل السفير الياباني لأربعة أشهر .. لكن فيما كان فوجيموري يفاوض كانت وحدات الكوماندوس تحفر نفقا يوصل الى وسط البيت .. وتم اقتحام البيت من النفق .. وتحرير الرهائن وقتل جميع الخاطفين ..

هذه الخشية عبر عنها أحد البرلمانيين الغربيين الذي رفض الافصاح عن اسمه في حديث هامشي لأحد الصحفيين من أن بعض تفاصيل المعارك في حمص يوحي أن حي الانشاءات لايتم اختراقه بريا بل وصلت رسائل من بعض قادة المقاتلين قبل مقتلهم بأنهم فوجئوا بوجود كثيف لمقاتلين غرباء موالين للحكومة فجأة من أحد الابنية في قلب الانشاءات .. ويخشى من احتمال أن السوريين لم يكونوا يتفرجون خلال الأشهر الماضية فالأقمار الصناعية الروسية راقبت على مدار الساعة كل شيء فيما كان الضجيج على الأرض يتحدث عن أنفاق حفرها المسلحون ..لكن في الحقيقة كانت هناك أنفاق أخرى موازية يحفرها الجيش السوري الذي ينام بعضه الآن تحت بعض أحياء حمص ..وربما يسير المقاتلون الثورجيون ومن معهم من عرب في معاقلهم الحمصية وشوارعهم فيما تسمع خطواتهم آذان تتربص بهم ..تحتهم في الأنفاق ..هي آذان وحدات الكوماندوس
ومن هنا ربما كان لابد من استعجال تفجيرات حلب المقررة سلفا ومحاولة التحرك العسكري في حلب لخلق البلبلة والقلق ولانزال العقاب بالمدينة التي لم يخفق قلبها مع الثورة والقلب الذي لايخفق مع الثوار سيخفقه الثورجيون بالديناميت خفقا (ديمقراطيا).. ويجب تحريك الناس في كل مكان واطلاق مزيد من العنف لقلب الطاولة ..فلاعب البوكر الامريكي مزنوق وفي ورطة وهو يتحسس وسطه ويمسك بالمسدس.. وعليه تشتيت انتباه الدولة السورية ريثما يتم تدارك الموقف واخراج المقاتلين الذين لاأمل لهم ..ولم يبق المستقبل أمامهم ..بل الموت ..
 
على كل حال .. بما أن الخبثاء يريدون نشر الموت في أرواحنا وبلادنا ..فلنتعلم من الاسرائيليين شيئا ..فلا معلم في التاريخ مثل العدو ..فعندما قام الفلسطينيون بعملياتهم الاستشهادية للتحرر من احتلال الصهاينة .. صدرت أوامر للصحف الاسرائيلية بعدم نشر ثقافة العويل والبكاء بل التفاؤل ..وكان من الملاحظ أنه عقب كل عملية فلسطينية لاتظهر صور الباصات المنسوفة وجثث المستوطنين على الصفحات الأولى بل تظهر دائما صور جميلة للربيع وللورود وللمناظر الخلابة في فلسطين المحتلة ..ولجبال القدس ..
فلننظر بعد آلام حلب نحو الأمام ..ولنضع في صباحاتنا فناجين القهوة وأغاني فيروز عن الحب والجمال والضيعة .. ولنفتح النوافد على الهواء الطلق ولنخرج من أحزان الأمس .. ولنعانق حلب بتحية الصباح وأغنية: طلت يامحلا نورها ..شمس الشموسة .. فهي من أعطت سيد درويش روح هذا اللحن الصباحي البديع ..ولنغن لها قدودا حلبية في الحب والقد المياس ..
 
حلب جريحة ووجهها دام .. ووجه سيف الدولة مكفهر .. وأبو فراس يعلو جبينه التعرق .. والمتنبي لم يعد يهتم بالحبر الذي سال على جبينه من دواة الحبر التي رماه بها سيف الدولة .. بل بالحبر الحلبي الأحمر الذي سال على قصائده الحلبية الأجمل في أشعار العرب قاطبة ..ولكن فلنخفف عن سيف الدولة وشعب سيف الدولة وأحفاد من كتبوا للمتنبي شعر الخيل والليل ووضعوه في قلب البيداء والقرطاس والقلم .. ولنقل لحلب .. وأهلها:
انكم "تدفعون الجزية عن كل الكلمات" .. وعن كل الكرامات ..
حلب .. الله وسوريا والشعب حاميها ..