هل كانت مخرجات " الربيع العربي" وسيلة كي للوعي العربي، أم نتيجة حتمية لكل من خرج عن التوجيه النبوي .. السودان مثلا !
أخبار البلد-
إن مايجري في أرض السودان الشقيقة على الشعب السوداني الشقيق أعاد ذاكرتي إلى مشاهد الربيع العربي - كما يحلو للكثيرين تسميته - في البلدان العربية الشقيقة.
عشر سنوات كاملة دفعت ثمنها الشعوب العربية غاليا .. لدرجة أنك لم تعد تعلم هل كان ربيعًا حقًا أم خريفًا عاصفًا وشتاءً قارسًا؟
يكفي أن تسمع عبارة " فقدنا الأمن والاستقرار" لتفهم حقيقة حال شعوب الربيع العربي - أو العبري - قبله وبعده.
مايزعجك هو أن تسمع من لا زال يصر على أن نتاج ما حصل في البلاد العربية من ثورات -والذي ارتد سلبا على حياة الشعوب العربية التي ثارت على أنظمتها - لا يزال يؤكد - أن هذا الأثر السلبي مخطط له من قوى الاستعمار بهدف تكميم الوعي العربي !! وإهانة الربيع العربي ! وإذلال فكرته !
وهذه كلمات أقل ما أقول فيها قول الشاعر:
سارت مشرقةً وسرتُ مغرباً
شتـانَ بين مشـرقٍ ومغرّبِ
أيكمم المكمم ياسادة؟
إنها محاولة فاشلة للدفاع عن موقف كل من كان داعما للربيع العربي حين انطلاقه .. ليكيل التهم لكل المعارضين لهذا الربيع - المزعوم- علما وحلما وحكمة.
ويكفي أنهم قالوا: أن النتائج السلبية والبرد القارس الذي أعقب ما زعموا أنه ربيع كان مخططا له !!
فهذه الشهادة الجلية والدليل الواضح على أن الربيع العربي / العبري أيضا كان مخططا له لإيصال الشعوب إلى حالة يرثى لها.
في شهر أيار من عام 2011 م، أنتجت الشركة البريطانية (Journeyman Picture) فيلمًا بعنوان (The revolution Business) أو بزنس الثورة.
هذا الفيلم عرض الكثير من المعلومات عن دور منظمة صربية في تدريب مواطنين عرب ولمدة ٣ سنوات للسعي في إسقاط الأنظمة العربية.
الغريب في الأمر أن هذا الفيلم تم عرضه على اليوتيوب بعنوان "مهنة صناعة الثورات العربية" ومع ذلك لم يتنبه له أحد !!
فلماذا لم ينتبه له أحد؟
لماذا تم تجاهله حتى من قبل وسائل الإعلام العربية المتخصصة وذات الشهرة؟.
هل كان ثمة مرض أصاب شهيتهم الإعلامية وقتها؟
ثم أليس من الغريب أن هاجت أمواج الربيع العربي / العبري رغم تصريحات المسؤولين الأميركان قبله وحينه وحديثهم المتكرر عن الشرق الأوسط الجديد ؟!
كيف كانت علاقة الدول العربية مع دولة الكيان في العموم قبل هذا الربيع المزعوم وبعده؟
وكيف كانت جرأة هذا الكيان في التعامل باستفزاز مع الدول العربية قبل هذا الربيع وبعده؟!
وكيف هو حال العراق وسوريا واليمن وتونس وليبيا والسودان قبل هذا الربيع وبعده؟!
ويكفينا من بين كل تلك المشاهد مشهد رئيس منظمة الصحة العالمية على شاشة «سي أن أن» الأمريكية، وهو يناشد «جنرالات الحرب» في السودان التوقف ولو قليلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من 80 مستشفى توقف العمل فيها منذ بداية الأزمة !!!
إنها الفوضى التي جاء بها ربيعهم ..
هيبة الدولة ومؤسساتها التي تمردغت ( انمسح فيها الأرض ) جراء مرور ربيعهم من هناك!
هيبة الدولة ومؤسساتها التي لا زلت أعيد وأكرر على ضرورة الحفاظ عليها .. وأن لا عذر لكل من مسها أو حاول التنكيل بها !!
ولن يجدي نفعا التذرع بعبارات رنانة كالديمقراطية والحرية التي سقفها السماء لتبرير الفتك بهيبة الدولة!!
هيبة الدولة واجب ديني … وضرورة دنيوية ..
إن بقاء الدولة مهابة الجانب يعني الاستقرار .. ومتى ذهبت هيبة الدولة: حلت الفتن، واسترخصت الدماء والأعراض، واصبحت الأرض رجراجة، وأكل القوي الضعيف.
يقول ابن مسكويه في تجارب الأمم، «ومن حسن سياسة الملوك أن يجعلوا خاصتهم كل مهذب الأفعال محمود الخصال موصوفاً بالخير والعقل معروفاً بالصلاح والعدل، فإن الملك لا تخالطه العامة ولا أكثر الجنود، وإنهم يرون خواصه، فإن كانت طرائقهم سديدة وأفعالهم رشيدة عظمت هيبة الملك في نفس من يبعد عنه لاستقامة طريقة من يقترب منه».
وإذا كان أهل الشريعة من المتقدمين قد كتبوا في أمر هيبة السلطان وهيبة الدولة ومؤسساتها وأكدوا على أهميتها، فلنحن في هذا الزمان العجيب أحرى بنا أن نحرص على هذا ونحافظ عليه، لماذا؟
يكتب لنا العلامة الخيرميتي (1440م) مجيبا: «لأن أناس هذا الزمان ليسوا كالمتقدمين فإن زماننا هذا زمان السفهاء والأشقياء وإذا كان السلطان - والعياذ بالله - بينهم ضعيفاً أو كان غير ذي سياسة وهيبة فلا شك أن ذلك يكون سبب خراب البلاد وأن الخلل يعود على الدين والدنيا».
هذا جوابه قبل قرابة الستة قرون ! فكيف لو رأى زماننا وأهله ؟!
ومن هنا أكدت عقيدة أهل السنة والجماعة على وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله، وتعظيم شأنهم في النفوس، وضرورة جمع القلوب عليهم، والحذر من الاختلاف عليهم، والتأكيد على أن تكون نصيحتهم في السر! وعدم إعلان وإشهار مساوئهم.
بل ومما يؤكد هذه القضية أنهم أدخلوا هذه المسائل ضمن مصنفات الاعتقاد مثلما فعل الإمام أحمد والآجري والصابوني والطحاوي وابن كثير والبخاري وغيرهم من أئمة الإسلام- رحمهم الله جميعا -.
وقد أجمل شيخ الإسلام ابن تيمية كل ماسبق في جملته الشهيرة: "ولعله لايكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته".
إنه الربيع العربي ياسادة .. الذي جاء بفساد أعظم بكثير من الذي أراد أهله إزالته ..وما ذاك إلا لأن هناك من أخفى عنهم ماهم بحاجة إليه.
اقول ما تقرأون وأفوض أمري إلى الله.