ثمن الفاتورة

أخبار البلد- 

أشعر أننا نحيا في أيام حبلى تنتظر قابلة ماهرة، في صدرها شوق الحياة، وفي راحتيها حنان الوالدة، هللويا.. هللويا... لهذا الطفل القادم إلينا من مخيم الدهيشة ومخيم عقبة جبر ومخيم العروب ومخيم بلاطة ومخيم جنين وريف سلفيت وطوباس وطولكرم، وفي راحتيه ميرمية وزعتر أخضر ونرجس وأقحوان وجلنار، معطرة بعبير الزهر المتضوع من أشجار جبال القدس وجبال الخليل، ومن بخور كنيستي القيامة والمهد، ومن صدق الايمان الذي يعطر تكبيرات وتشهدات مؤذن المسجد الأقصى. هللويا هللويا لهذا الفتى الأسمر الذي تعمد في مغطس نهر الأردن، وطرد راحاب من مدينة الشمس وغنى "مويل الهوى، يما مويليا" في قصر هشام فسمع أبا عبيدة ما زال يكبر في الشيخ جراح والعيسوية وسلوان والطور ويتردد صداه في جباليا ورفح ومخيم الشاطئ.

طل من ضريحه الشهيد ابن الشهيد قديسنا أبو العبد رضي الله عنه فرأى زرافات أبرهة تتبختر من باب المغاربة إلى باب المسجد المرواني فباب الأسباط محروسة بسيوف نابليون وريتشارد قلب الأرنب وترومان فقال: عن أبي عن جدي، و(أسهب في العنعنة) أن بطرس الناسك جاء من بلاد الثلج والضباب إلى القدس فتلاشى في غبار الأيام، فهل بقي الحمار؟

حبلى هذه الأيام وتنتظر قابلة ماهرة تصفع براحتها المولود على مؤخرته كي يصرخ "واع واع" بعدما دفع شعبنا فاتورة بقاء الوزير ذي الأوزار، أبي الرغيف البلدي، في حكومة نتنياهو، دفع ثمنها غاليا في قصبة نابلس وفي مخيم جنين وفي مخيم بلاطة وفي مخيم عقبة جبر وفي رفح وفي خانيونس وفي غزة الصمود.

منذ مئة عام، عام يتلوه عام، وشعبنا يدفع ثمن الفاتورة، وفاتورة تتلوها فاتورة منذ وعد وزير المملكة العجوز، "ومن كيس غيرك يا مذري ذري" مرورا بملوك وأمراء ووزراء وشيوخ ومقامرين وقوادين وزناة وشعبنا يدفع ثمن الفاتورة.

دفعنا الثمن الباهظ في عام النكبة ثم في عام النكسة ثم في عام الانفصال، ولا أعني انفصال القطر السوري عن القطر المصري، رغم الوجع، بل أعني انفصال إمارة غزة عن توأمها السيامي، وإذا كان الانفصال الأول هدية العرب للاستعمار الغربي في القرن العشرين فإن الانفصال الثاني هو هدية الفلسطينيين الكبرى للحركة الصهيونية في هذا القرن. وما زال العرب يدفعون ثمن فاتورة الانفصال الأول في تونس وليبيا والسودان واليمن والعراق وسوريا ولبنان، وما زال شعبنا الفلسطيني يدفع ثمن فاتورة الانفصال في القدس وجنين ونابلس والخليل ورام الله وفي غزة ورفح وخان يونس.

شعبنا يدفع ويدفع ولا يئن ولا يتوجع ولن يرفع الراية البيضاء.

دفعنا فواتير باهظة الثمن طيلة قرن وأشعر اليوم أن الأيام حبلى وتنتظر قابلة ماهرة في صدرها شوق الحياة فقد آن لهذا الليل أن ينتهي وأن يعيش شعبنا البطل بحرية وبسلام وبأمن مثل بقية شعوب الأرض.