75 عامًا على تأسيسها: إسرائيل عالقة في ذروة قوتها
أخبار البلد-
وهي في ذورة قوتها، لم تتمكن إسرائيل من حسم ملفين مصيرين بالنسبة لها، الأول الملف الفلسطيني، والثاني الملف الداخلي أو التناقض والشرخ الداخلي * قضية فلسطين أساسًا هي العودة والتحرر وليس الدولة، سواءً على قاعدة حل الدولة أو الدولتين.
تحل اليوم ذكرى النكبة بمرور 75 عامًا على إعلان "استقلال" دولة إسرائيل، ويمتد المشروع الصهيوني إلى ما قبل ذلك بعقود عدة؛ ويبدو أنه بعد سبعة عقود على تأسيسها أنها وصلت ذروة قوتها، سواءً عسكريًا وتقنيًا أو اقتصاديًا وإقليميًا، لكنها لم تحسم حتى اليوم عدة ملفات أو قضايا تُعتبر مصيرية لها رغم ما وصلت إليه. الملف الفلسطيني باتت اليوم إسرائيل مسيطرة عمليًا على نصف السكان في هذه البلاد الممتدة من النهر إلى البحر، أي على السكان العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وأراضي 48، أصحاب البلاد، الذين تضاعف عددهم منذ النكبة وبلغ نحو7 ملايين فلسطيني، فيما ضاعف الشعب الفلسطيني عمومًا تعداده منذ النكبة ليصل إلى نحو 14 مليون فلسطيني، وتشير سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020، بلغ حوالي 6.4 مليون لاجئ فلسطيني، منهم نحو مليونين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن حوالي 28.4% من اللاجئين المسجلين لدى "الأونروا" يعيشون في 58 مخيما رسميا تابعا لها، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سورية، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة. وتعكس هذه التقديرات الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية حرب حزيران 1967 "حسب تعريف الأونروا"، ولا يشمل أيضا الفلسطينيين الذين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967 على خلفية الحرب، والذين لم يكونوا لاجئين أصلا. لا بد من ذكر هذه المعطيات "الديمغرافية" لأن المشروع الصهيوني ودولته لاحقًا، اعتبرت أن حربها ديمغرافية، وحاولت حسمها من خلال التطهير العرقي منذ ما قبل تأسيسها، ويبدو أنها لم تتمكن من حسمها فاضطرت لإحكام سيطرتها على نصف سكان البلاد بالعنف والقوة، والتحكم بمصيرهم الفردي والجماعي، سواءً في قطاع غزة المحاصر، أو الضفة الغربية تحت "الحكم الذاتي"، أو في أراضي 48 في ظل المواطنة الكولونيالية. لم تحسم إسرائيل وهي في ذروة قوتها الملف الفلسطيني من خلال "حربها الديمغرافية"، ولم تحسمه سياسيًا؛ وقد خاضت قبل أيام عدوانًا على غزة بدا أنها علقت فيه لعدة أيام ولم تنجح في حسمه على الرغم من تفوقها العسكري والتقني. الملف أو التناقض الداخلي لم تحسم إسرائيل أيضًا ملفاتها الداخلية، سواءً لجهة تعريف من هو اليهودي، وعلاقة الدين بالدولة، أو لجهة العلاقة المتناقضة ما بين تعريف الدولة دولةً يهودية وديمقراطية، وكذلك بكونها استعمارية استيطانية، والتي نتج عنها في النهاية ما يسميه بعض المثقفين الإسرائيليين بـ"الليبرالية العرقية" أو "الديمقراطية لليهود فقط" أو "الديمقراطية العرقية" أو الإثنية. وبرز في الأشهر الأخيرة شرخ عميق، جوهري وحقيقي، في المجتمع الإسرائيلي على خلفية خطة إضعاف القضاء، وهي انقسامات تعكس التناقضات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، والتحولات الديمغرافية والفكرية والأيديولوجية، وهو ما يمكن وصفه بأنه صراع ما بين "دولة تل أبيب" الليبرالية الأشكنازية، وبين "مملكة يهودا" الاستيطانية القومية الدينية المتشددة. ومن المرجح أن يتعمق هذا الشرخ الداخلي مع صعود قوى سياسية واجتماعية ذات توجهات دينية قومية متطرفة جدًا، ترى أن حسم الصراع مع الفلسطينيين يكون إما بالتهجير والقتل، وإما بالإخضاع والرضوخ، كما عبر عن ذلك وزير المالية الحالي، بتسلئيل سموتريتش، في مقال نشره تحت عنوان "خطة الحسم". فلسطين على تقاطع/ تشابك المسألة اليهودية والمسألة العربية بعد 75 عامًا على تأسيسها، وهي في ذروة قوتها، لا تزال إسرائيل عالقة في عدم القدرة على حسم أعقد ملفين، الفلسطيني والداخلي، وذلك بسبب طبيعتها الاستعمارية الاستيطانية والتناقضات البنيوية والجوهرية في تعريفها لذاتها، حيث باتت تدير نظام تمييز عنصري – أبارتهايد لن يمكنها من الحسم؛ حتى باتت "تشتري الهدوء" بدماء الفلسطينيين في غزة كل عدة شهور، كما حصل في العدوان الأخير، دون أن تحسم حتى في معركة لعدة أيام. أخيرًا، قضية فلسطين أساسًا هي العودة والتحرر وليس الدولة، سواءً على قاعدة حل الدولة أو الدولتين، لكن مأساة الفلسطينيين والعرب، بأن هذه القضية مرتبطة بما يسمى "المسألة اليهودية"، وقد أوجز عزمي بشارة ذلك في محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت، في أيار/ مايو 2009، بقوله إن "قضية فلسطين إذًا هي أسيرة المسألة اليهودية الأوروبية. أمّا مصدر التعقيد الثاني، فيكمن في كونها أسيرة مسألة عربية غير محلولة حوّلت قضية فلسطين إلى قضية بين دول عربية مختلفة تعيش صراعات في ما بينها، فهي تارة قضية أيديولوجية بالنسبة للدول التي تقدم نفسها كأنظمة راديكالية ثورية، وقضية ذات شكل آخر عند نوع آخر من الأنظمة. وقعت قضية فلسطين على مفترق تشابك مسألتين معقدّتين جدا، تعرف إحداهما بالمسألة اليهودية، فيما أعرّف أنا الأخرى على أنها المسألة العربية في الشرق. وهي المسألة نفسها التي تجعل الدول العربية تبحث عن حلول منفردة مع إسرائيل ما دامت مسألة الأمة غير محلولة. وعند نقطة الالتقاء والتشابك، تقع القضية الفلسطينية".