حل الأحزاب الدينية بين القبول والرفض

اخبار البلد-

 

قبل الدخول في هذا الموضوع, علينا أن نضع حقيقة بين يديّ القرّاء الكرام, مفادها أن هناك الملايين من المسلمين المتدينين حقاً لا ينتمون لأي حزب من الأحزاب الدينية العديدة والموجودة اليوم عند الأمةالاسلامية, بمعنى أن التديّن الحقيقي لهؤلاءالمسلمين المتدينين لم يأتي بفعل هذه الأحزاب الدينية.

والسؤال المطروح هنا: هل الأحزاب الدينية جمعت الأمة ووحّدت صفوفها عبر القرون الماضية, أم أنها عملت على عكس ذلك؟ سؤال مشروع طرحه كثير منالمفكرين المسلمين منذُ زمن بعيد, سؤال انقسمت عليه إجابات الأمة الإسلامية إلى قسمينالقسم الأول يقول أن الأحزاب الدينية جمعت الأمةالإسلامية ووحّدت صفوفها, والقسم الثاني يؤكدعكس ذلك تماماً, وقبل ترجيح أي من الرأيين هوالأصح, علينا الوقوف الفعلي على حال الأمةالإسلامية قبل تأسيس الأحزاب الدينية وبعدتأسيسها.

أولاً) حال الأمة الإسلامية قبل تأسيس الأحزابالدينية:

الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم بإنشاء أي حزب ديني على الإطلاق, كذلك الخلفاء الراشدين من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينشؤوا أي حزبديني, بعد ذلك الصحابة والتابعين من بعد الخلفاءالراشدين لم ينشؤوا أي حزب ديني يُذكر, وصولاً إلى الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية, لم تنشئ أي منهما أي حزب ديني على الإطلاقمع أن جميع ظروف وإمكانات هؤلاء المادية والمعنوية كانت متوفرة لإنشاء العديد من الأحزاب الدينية, إلا أنهم لم يقوموا بذلك, وذلك حفاظاً على جمع الأمة وتوحيد صفوفهاوعدم تفريقها وتمزيقها وتشتيتهاالامر الذي جعلحال الأمة الإسلامية قبل تأسيس الأحزاب الدينية,أمة مجتمعة موحّدة غير مشتتة إلى حد بعيد. 

ثانياً) حال الأمة الإسلامية بعد تأسيس الأحزابالدينية:

بدأت فكرة إنشاء الأحزاب الدينية وتشكيلها لدى الأمة الإسلامية فعلياً بعد انتهاء الخلافة العثمانية مباشرة, وذلك لأسباب عديدة لعل من أبرزها الوصول إلى السلطة والحكم, والتنازع على المصالح الخاصةوالضيّقة كما تُدلّل كثير من الدراسات, الأمر الذي ادى بدوره إلى محاولة قيام كل حزب ديني بالدفاع عن وجهة نظره, والعمل على ليّ وثني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة كل حسب مصلحته وطريقته الخاصة به, إلى أن وصل الأمر بنا إلى فرقة الأمة الإسلامية وتمزق صفوفها وتشتت أهدافها.  

ومن هنا طرح البعض سؤال محوري مفادههلالأحزاب الدينية (بدعة)؟ أم أن ذلك جزء لا يتجزأ من الدين الاسلامي؟  

القرآن الكريم لم يدعوا إلى إنشاء أي حزب من الأحزاب الدينية لا بالتصريح ولا حتى بالتلميح علىالاطلاق, وكذلك السنة النبوية الشريفة لم تدعوا إلى إنشاء مثل هذه الأحزاب الدينية على الإطلاق, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشرنا سابقاً ومن جاء بعده من خلفاء راشدين وصحاب وتابعين لم ينشؤوا أي حزب ديني يذكر, أضافة إلى أن كل منالخلافة الأموية والعباسية والعثمانية لم تنشئ أيمنهم أي حزب ديني على الإطلاق.

ثم أن كثير من علماء الدين أمثال الشيخ العلاّمة أبن عثيمين, والشيخ العلاّمة صالح الفوزان, والشيخالعلاّمة عثمان الخميس والشيخ العلاّمة الألباني وغيرهم الكثير الكثير من علماء المسلمين الحقيقيين أكدوا أن الأحزاب الدينية (بدعة) ولا يوجد أدنى شك في ذلك, وقد برّر هؤلاء العلماء الأفاضل وغيرهم من العلماء أن الأحزاب الدينية من شأنها الانشغال عن الدعوة إلى الله, وتعمل على تفريق وتمزيق وتشتيت الأمة الإسلامية, وما حال الأمة الإسلامية اليوم إلا دليل ساطع على ذلك.

اليوم ونتيجة للعصف الذهني هناك دعوة جادة من قِبل كثير من علماء المسلمين الإجلاّء - من غير الحزبيين- تطالب بكل جرأة بحل الأحزاب الدينيةوإلغاءها عند الأمة..

1) امتثال وتطبيق لكتاب الله عز وجل, قال تعالى: (إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون), وقالتعالى: (وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكمفاتّقون), حيث أن هاتان الآيتان وغيرها من الآيات الكريمة تندرجان في شأن وحدة المسلمين، وضرورةالتفافهم حول منهجهمفالرب واحد، والقرآن واحد،والنبي واحد، والمنهج واحد، والقبلة واحدة، ومع ذلكنرى الانقسام والتمذهب والتحزب الديني.

2) إسوة برسول صلى الله عليه وسلم, حيث جاءفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلمقالافترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة،وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة،وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فيالنار إلا واحدة، قيلمن هي يا رسول الله؟ قالمنكان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.  

3) اقتداء بالخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.  

4) السير على خطى كل من الخلافة الأمويةوالعباسية والعثمانية,

والتي لا تتعارض مع الدين.

كيف لا والآية في قوله تعالى: (كل حزب بما لديهمفرحونقد جاءت من باب الذّم للتحزب الديني وليسالمدححيث أن كل حزب من هؤلاء الذين فرقوا دينالحق.. قد أحدثوا البدع بما هم متمسكون به منالتحزب، فرحون ظانين أن الصواب معهم دونغيرهمفي بواطن هؤلاء تنازع على المصالح الخاصةالضيّقةوفي ظواهرهم الحرص على كتاب الله وسنة نبيه.

الإسلام لا يعرف الفرق والأحزاب, وطالب منذُ البداية الابتعاد عن الافتراق والفرقة وأعتبر ذلك ضلالة, وأن حل وإلغاء الأحزاب الدينية بات اليوم مصلحة ضرورية للأمة الإسلامية, كون هذه الاحزاب الدينية(بدعة) دينية فرّقت ومزّقت وشتّتت صفوف ووحدة الأمة الإسلامية, نعم كفانا انقسام وتمذهب و(تحزبديني, كفانا بِدعاً وضياع.. إن صندوق التصويت على (حل) الأحزاب الدينية موجود داخل الصدور.. في القلوبونتائجه ترفع مباشرة إلى الله سبحانه وتعالى.

بقي أن نقول: عذراً يا رسول الله.. فقد ابتدعنا شيء لم تفعله أنت.

دمتم بخير.