أُوكرانيا إذ تدعو الصين... للـ«ابتعاد» عن روسيا؟؟

أخبار البلد- مباشرة بعد انتهاء «أول» مُكالمة هاتفية بين الرئيس الصيني/شي جين بينغ والأُوكراني زيلينسكي, والتي جاءت بمبادرة من «الأخير» على ما أكّدت بيجين, خرجَ مستشار مكتب زيلينسكي/ ميخائيل بودوليك.. داعياً الصين أن «تنأى» بنفسها عن روسيا, كي «تظلّ» لاعباً اقتصادياً وسياسياً.

وعلى الرغم من الخِفّة التي إنطوت عليها دعوة مُتغطرسة كهذه, تفوح منها رائحة الجهل وانعدام المعرفة بما باتت عليه العلاقات الآخذة بالتجذّر أفقياً وعامودياً بين بيجين وموسكو. والتي عكستها من بين أمور أخرى الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني لموسكو 20 آذار الماضي, مباشرة بعد انتخابه رئيساً للجمهورية لولاية ثالثة, والإجتماع الطويل الذي تم على انفراد بينه والرئيس الروسي/بوتين لمدة زادت عن أربع ساعات ونصف, على ما أُعلن رسمياً، زد على ذلك تأكيد الصين نفسها وعلى لسان أكثر من مسؤول صيني رفيع وفي مقدمتهم الرئيس?شي نفسه, الذي أعلنَ عن شراكة «غير محدودة» مع روسيا, وأن العلاقات بين روسيا والصين تُظهِر ديناميكيات صِحيّة للتنمية، ناهيك عما قاله كبير الدبلوماسيين الصينيين/ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني/ وانغ يي خلال اجتماعه في شباط الماضي مع وزير الخارجية الأميركي/ بلينكن في ميونخ, بأن بيجين «لن تُمرّر أي محاولات أميركية لتهديد العلاقات الصينية الروسية», مُضيفاً أن «العلاقات الروسية الصينية في مجالات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، قائمة على سيادة الدولتين وعدم الإنحياز وتجنّب ?لمواجهة واستهداف أطراف ثالثة».

وإذ بات معروفاً أن الولايات المتحدة كما الاتحاد الأوروبي وخصوصاً أوكرانيا, رفضت «خطة السلام ذات البنود الـ 12» التي طرحتها الصين في شباط الماضي لوقف الحرب في أوكرانيا, بل هي مُجتمِعة لم تكتفِ بالتقليل من شأن هذه الخطة، بل شكّكت في قدرة الصين على لعب دور «الوسيط", مُحذِّرة (الأطراف الثلاثة واشنطن بروكسل وكييف) في الوقت ذاته, بيجين من إرسال أسلحة لموسكو. في حين اعتبر وزير الخارجية الأميركي/ بلينكن الخطة الصينية «مثابة فخّ». في حين لم يتردّد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي/ جوزيب بوريل في القول: إن?الصين «لا يُمكن ان تكون وسيطاً» في الحرب الدائرة في أوكرانيا لإنحيازها الكبير إلى روسيا على حد وصفه. وإن كانوا جميعاً أميركيين وأوروبيين وناتويين (نسبة الى حلف الناتو), مارسوا ضغوطاً على الرئيس الصيني شي لزيارة كييف أو أقله مهاتفة زيلنسكي. أما وقد تمت المهاتفة أخيراً بين الرئيسين, فإن الترحيب الغربي الأميركي والأوروبي لم يتجاوز حدود المُجاملات الدبلوماسية, ليس فقط لأن «المُبادِر» إلى الاتصال هو زيلنسكي, بل خصوصاً لأن العلاقات الصينية الروسية تزداد يوماً بعد يوم رسوخاً وتوسّعاً أفقياً وعامودياً وفي مختلف ال?جالات, سواء على صعيد تجاري اقتصادي وتنسيق سياسي, أم خصوصاً في المناورات العسكرية البحرية والجوية المستمرة بين البلدين, وعلى نحو مبرمج وصل حدود مُشاركة القاذفات الاستراتيجية في بعض هذه التدريبات وهبوطها في مطار البلد الآخر. ناهيك عن الأساطيل البحرية, والتي شاركت «إيران» بعضها في مياه المحيط الهندي وبحر العرب, والأكثر أهمية من كل ما سبق هو «إصرار» موسكو وبيجين على محاربة الهيمنة الأميركية, والتأسيس لعالم جديد مُتعدد الأقطاب تكون فيه واشنطن «واحد» بين مُتساوين.

ليس مهماً كثيراً أو مُؤثّراً القرار الذي اتخذه الرئيس الأوكراني/ زيلنسكي بإرسال سفير لبلاده الى بيجين, بعد أن ظلّ الموقع شاغراً منذ شباط 2021 (أي قبل العملية الروسية الخاصة في 24 شباط 2022)، بقدر ما هو إشارة مثقلة بالدلالات وهي أن «كييف» لا تدير دبلوماسيتها باحتراف وبنظرة استراتيجية, بقدر ما تخضع لتأثير حلفائها في واشنطن وبروكسل ولندن, على نحو لم تترك مجالاً حتى لمناقشة خطة السلام الصينية ذات البنود «12»، بل سارعت إلى رفضها والتشكيك فيها وصولاً إلى دعوَتِها بيجين للإبتعاد عن روسيا, «كيّ» تظل لاعباً اقتصادي?ً وسياسياً. وهي دعوة لا تنمّ عن حكمة او بُعد نظر, خاصّة في تعاملها مع دولة كبرى كالصين والأدوأر المرشحة بيجين للعبها في السنوات المقبلة, تحديداً في إطار نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب آخذ في التشكل والبروز الآن. ما يعني تهاوي واندحار نظام القطب الأميركي الواحد, الذي ظن زيلنسكي وأنصاره أنه باقٍ ويتمدّد فيما هو يتراجع وينحسر على نحو متسارِع ينذر بأفول «نجومِه الخمسين».