العيد يفتح ذكريات البكاء على الأطلال

أخبار البلد - هل أنت من الذين يعشقون البكاء على الأطلال، كما بكى امرؤ القيس في معلقته "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل". أو طرفة بن العبد  في معلقته "لخوله أطلال ببرقة ثهمد" أو لسان الدين بن الخطيب "جادك الغيث إذا الغيث همي.. يا زمان الوصل بالأندلس" أو غيرهم من الشعراء؟! 

تواصل الحنين لأحياء وشوارع وزقاق وأدراج وأماكن تعيد إليك ذكرى ما مضى، وذكرى أيام الشباب المبكر، حيث رائحة التراب وقد بلله القطر، أو ظل شجرة زيتون أو ليمون تخفيك وتقيك حر الشمس تقف تحتها على الرصيف المقابل لبيت وقف عنده الشعراء والمغنين. 
لماذا تبقى أسير الذكريات والعالم بين يديك؟! 
هل تؤمن بمقولة الشاعر الدغستاني العظيم رسول حمزتوف "إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك" في كتابه "بلدي" ؟ هل تخاف من مدافع المستقبل الذي يبدو في عالم الغيب، بينما حاضرك حقل ألغام تسير وسطه بحذر شديد وعلى أطراف أصابعك؟! 
تحن إلى كل التفاصيل البسيطة والعفوية، الانطلاق صباح أول أيام العيد إلى دور السينما فيلمان بتذكرة واحدة، إلى مطاعم الشاورما والمراجيح والتجول في المدرج الروماني وجبل القلعة، كأنك تفعل كل ذلك لأول مرة في حياتك. تنتظر ليلة العيد لتدخل في زحام وسط البلد وتمارس شقاوتك، ثم تتذكر أنك لم تشتر بوت الأصابع الصيني التاريخي والأثير، وربما لم يتبق في ميزانيتك ما يكفي لشراء زوج من الجربات. 
لا بأس أيضا بالذهاب بعد منتصف الليل إلى صالون الحلاقة في الحي وانتظار دورك من أجل سشوار يجعل من شعرك أشبه بالباروكة أو الغيمة. هل أذكرك أيضا بشريط الكاسيت المستعمل الذي كان يباع على الطرقات بعشرة قروش؟! 
هذه حياة مضت في سبيلها، لماذا تريد أن تبقى أسيرها، ما الذي تبقى لك منها؟! الطرقات تغيرت ودور السينما أغلقت وتحولت إلى خرائب، والفلافل الذي يقلى حاليا بنفس الزيت الذي خبرته في طفولتك بات يتسبب بحرقة في معدتك. 
وبنات الحي اللواتي كن يربطن شعرهن "ربطة الفرس" أصبحن جدات، وشبان الحي الأشقياء مثل الفنان أحمد رمزي غالبيتهم يعانون من السكري والضغط وآلام المفاصل وقصر أو طول النظر أو كلاهما . 
الذكريات طمأنينة وسكينة لك بأنك لم تكن عابرا للزمن فهي تدفئ قلبك شتاء، وتلقي عليه ظلا في يوم قائظ. 
أصبحت حكيما وزاهدا بعد أن أمضيت شبابك تطارد بنات الحي، فيما أثرى النساء، وفقا لأحلام مستغانمي، "من تتوسد ذكرياتها".