تاريخ العرب الجاهلي أساطير قصاصين

أخبار البلد-

 
الرواة والقصاصون والحكواتية صنعوا الشخصية العربية في العصر الجاهلي، وأظهروا العرب في تلك الفترة بطريقة همجية وسلبية بشكل كامل ومطلق، رغم أن قريش، على سبيل المثال، كانت قبيلة متحضرة ومدنية فغالبية رجالاتها كانوا تجارا وملاك مواشي وبيوت، وكانت قافلة الوليد بن المغيرة (والد الصحابي خالد بن الوليد)، على سبيل المثال أيضا، تدخل من جميع أبواب مكة من ضخامتها، بلغة هذه الأيام يوضع في مجلة "فوربس" للأثرياء وكذلك حال أبو سفيان وغيرهم.

تاريخ العصر الجاهلي لم يترك أدبا مكتوبا، فهي كانت ثقافة شفوية، وكانت أقرب إلى الرواية، وهو أسلوب السرد القصصي شبه التاريخي، إلا أنه يخلو من أي نظرة تاريخية ومن التحقيق والتدقيق، وبقيت تاريخا شفويا لأكثر من 250 عاما قبل أن تدون وبالتالي دونت كما هي وفقا للقصاصين الذين كانوا يضيفون عليها وفق ما يريده الجمهور .

وبداية التدوين كانت مع تدوين القرآن الكريم والأحداث النبوية الشريفة وكل ما يتعلق بالسيرة، ولم يهتم المؤرخون بتدوين الشعر والقصص والحكايات المتعلقة بالعصر الجاهلي إلا في فترة متأخرة جدا.

أيضا لعبت الدراما العربية دورا في رسم صور درامية مثيرة لرموز العصر الجاهلي قبل الإسلام، "أبو لهب"، على سبيل المثال، عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم هو عم النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه الصلاة والسلام، ولكن الاسم المشهور له هو "أبو لهب"، لقبه إياه أبوه عبد المطلب لإشراق وجهه. ويظهر في الدراما شخصا قبيحا وبعيون جاحظة وحواجب غليظة ويتحدث ببلاهة، وحين يأكل يتساقط الطعام على كرشه وتنزلق الخمرة من لحيته.

وهذه صورة تبدو مقبولة دراميا في إظهار بشاعة أفعاله هو وزوجته، لكنها غير واقعية لشخص كان سيدا في قومه وثريا. وأيضا صورة عمرو بن هشام (أبو الحكم) ويعرف إسلاميا بـ"أبو جهل" وذلك لقتله الصحابية سمية بنت خياط بالحربة بسبب جهرها بالإسلام وكانت عجوزا .

وكان بإمكان العمل الدرامي إظهار بشاعة كفرهما من خلال الأداء الفني وإظهار علامات الغضب والقسوة على وجوههم دون اللجوء إلى الحل السهل وهو إظهار بشاعة الوجه فقط.

قريش الوثنية كانت تعيش بين أصحاب ديانات سماوية، في المدينة كان اليهود، وفي نجران كانت المسيحية، وكانوا على تماس مع الروم (المسيحيين) والفرس (المجوس) والأحباش(المسيحيين)، وكانت قبائل العرب تفد إليهم للحج وللتجارة، وبالتالي لم يكونوا في جزيرة معزولة عن العالم.

"أبو لهب" و"أبو جهل" ألحقا الأذى بالرسول الكريم بشكل شخصي على نحو لا يتصوره عقل، وهما في جهنم مخلدين فيها وبئس المصير.. لكن هذا شيء وسيرتهم في الجاهلية شيء آخر.

ما أردت قوله هو أن القصاصين والحكواتية ادخلوا في تاريخ العرب قبل التدوين قصصا حتى تناسب ذوق جمهور المستمعين لهم. ولم يحاول المؤرخون في عصر الإسلام تنقيح هذه الروايات ولم يهتموا بها، ولم تكن جزءا من التاريخ الذي بدأ يكتب من جديد مع فتح مكة، ودققوا وحققوا فقط الروايات المتعلقة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبسيرته النبوية، وما عدا ذلك تركوه للقصاصين ليكتب فيما بعد، ولم يبحثوا طويلا في "داحس والغبراء " و"البسوس" والأدب الجاهلي بشكل عام، لذلك تبدو هذه الحكايات وكأنها أساطير لا تدخل عقل عاقل.