مزدوجو الديموقراطية والجنسية

الأخ/ رئيس التحرير - المحترم
تحية طيبة وبعد،
مرفق طيه مقالة حول بعض مجريات الأحداث بليبيا بعنوان ( مزدوجو الديمقراطية والجنسية) يرصد بعض تصرفات بعض الساسة الليبيين من حملة الجنسيات الأجنبية والتى تتسم بالتناقض مع ثقافة المجتمعات الديمقراطية التي يحملون جنسيات دولها، ولطالما كانوا يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على المنابر الإعلامية بالخارج ، لكنهم عندما رجعوا للوطن وصاروا يتحكمون بالعملية السياسية تصرفوا على عكس ما كانوا يقولونه وهم بالخارج. لذا وبصفتي باحث اقتصادي وسياسي وسبق أن مارست العمل الدبلوماسي لسنوات طويلة خارج الوطن وتعايشت مع المجتمعات الديمقراطية ولمست الممارسة الديمقراطية الصحيحة للحكم ،رائيت أنه من الواجب رصد تصرفات السياسيين التي تتعارض مع المفاهيم اليمقراطية وحقوق الإنسان بغية تنبيه الخطئين و توعية المجتمع الليبي والعربي حيالها.
وبالنظر لما تتمتع به صحيفتكم المقرة من شعبية ومصداقية تمنيت نشره على صفحتها الإليكترونية.
شاكراً لكم حسن تجاوبكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د.عبدالله البصير- ليبيا
------------------------------------------------------
مزدوجو الديمقراطية والجنسية! عبدالله البصير / باحث اقتصادي وسياسي ليبي
" ديمقراطيون لكنهم يفتقرون إلى عناصر المعايير والمبادئ الأخلاقية!."
" ديمقراطيون لكنهم يبررون لإعمال السجن والتعديب والقتل خارج القانون !"

لا بد ليّ بدايةً أن اعترف بأنني لست من محترفي الكتابة الصحفية ، و حظّي فيها لا يزيد عن كوني مبتدئ ، غير أنني وبحكم تخصصي الأكاديمي في علوم الاقتصاد والسياسة ، وبفضل تجربتي المتواضعة في ممارسة العمل السياسي والدبلوماسي لسنوات طويلة ، فقد اكتسبت خبرة ومعرفة متواضعة ، اعتقد بأنها تؤهلني لتدوين بعض الملاحظات والمآخذ على بعض مظاهر العملية السياسية التى تشهدها بلادنا في هذه الآونة ، وهنا لا يفوتني أن التمس لنفسي العذر لدى أهل الأختصاص والخبرة .
بينما وانا اقلب محطات التلفزيون بين الفضائيات الليبية – الجهويّة للأسف – التي يمل المشاهد الواعي من متابعة برامجها بسبب سلوك بعض مديعيها واسلوبهم الرخيص في نقد ممارسات شخوص النظام السابق وتسابقهم المحموم على سب رئيسه الراحل ونعته بأبشع الأوصاف والألقاب في مخالفة صريحة لتعاليم الدين الإسلامي السمحة التي لا تجيز السب والقذف في حق الأخرين من الناس احياء أواموات !. ناهيك عن أن هذا الاسلوب الاداعي الموجّه الممجوج يفقد البرامج مهما كانت اهميتها المصداقية لدى المشاهد المثقف و بالتالي يحرمها من مساهمة هذا النوع من المشاهدين في اثراء حواراتها.
وعود على بدء فقد شاهدت على قناة مصراته نقل مسجّل لحفل تأسيس حزب العدالة والحرية والتنمية ، وأول ما فوجئت به حضورممثل رسمي لمعالي وزيرالخارجية والتعاون الدولي الليبي السيد/ عاشور بن خيال ، ولفيف من ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى ليبيا ، حيث القى السيد/ سعد الشلماني - ممثل معالي الوزير كلمة اعتذر في مقدمتها عن عدم تمكن معالي الوزير من الحضور الشخصي وقد كلّفه بالقاء الكلمة بالنيابة عنه ، والتي هنأ في مستهّلها القائمين على تأسيس هذا الحزب ومن تم خاطب مباشرة باللغة الانجليزية ممثلي البعثات الدبلوماسية شاكراً لهم حضورهم ومشاركة دولهم في تحرير ليبيا - على حسب قوله! ووعدهم بأن تلك المشاركة سوف تساهم في تقوية العلاقات بين ليبيا ودولهم. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو هل من مهام وزير الخارجية والتعاون الدولي المشاركة الرسمية في مراسم تأسيس الأحزاب السياسية ؟!. وماهي الدواعي العامة التي تستلزم مشاركته الرسمية سواء أكان بحضوره الشخصي أم ممثلا؟!. مع أن منطق الأمور يقول بأن المشاركة الرسمية لممثلي الحكومة في مثل هذه الفعاليات الحزبية من شأنه أن يثير الشكوك حول حيادية الحكومة ومدى نزاهة العملية الانتخابية المقبلة؟!. ولكن فلننتظر رد فعل الحكومة حيال مشاركة السيد معالي الوزير، مع أني أشك في أنها قد انتبهت لهذا الأمر أصلا!ً.
ومادمنا بصدد وزارة الخارجية والتعاون الدولي دعنا نستعرض تصريح غريب للسيد معالي الوزير ردا ً على انتقاذات منظمة حقوق الإنسان لممارسات التعذيب وانتهاك حقوق السجناء داخل بعض السجون الليبية ! ، حيث قال السيد عاشور بن خيال لمراسل وكالة رويترز في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا " فلول القذافي ارتكبوا أعمالا كانت عدوانا على الثورة وعلى ليبيا وهم الآن سيلقون المعاملة التي يستحقونها ". وكأنه هنا يبررلعمليات الاعتقال والتعديب والقتل خارج القانون ، وهذا كلام سيثير شكوك المنظمات الحقوقية حول مصداقية الحكومة الليبية ! فضلاً عن أنه يبعث برسالة خاطئة تقول لعناصرالمليشيات المسلحة التي تسيطر على السجون الليبية (سيروا ونحن من ورائكم)!!!. مع أن تعاليم ديننا الإسلامي لا تبيح انتهاك حقوق الأسرى والسجناء مهما كانت طبيعة جرائمهم ، وأن القصاص العادل من مسؤولية اجهزة الدولة القضائية وليس متروك لمراكز السجون والسجّانين !. ولكن للأسف يبدو أن السيد عاشور بن خيال قد غلبته نفسه الأمّارة بالسوء واحتكم لمشاعره الشخصية تجاه أنصار القذافي ، ولم يتصرف بما يحفظ مكانة مسؤولياته الحكومية .
ومجددا نستعرض مراسم حفل تأسيس حزب العدالة والحرية والتنمية ، حيث القى سعادة أمين عام الحزب السيد/ رجب احمد النفيص - كلمة عرّف فيها بمبادئ الحزب واهدافه ، واعرب عن ترحيبه وسروره بحضور ممثلي الدول التي وقفت بجانب الشعب الليبي حسب قوله! وأخص بالذكروالثناء فرنسا التي منعت الطاغية حسب وصفه من تدمير مدينة بنغازي! والجدير بالذكر هنا يبدو أن مقص الرقابة الإعلامية قد تدخل في اكثر من موضع فقد غاب الصوت لأكثر من مرة وضاعت معه سطور عدة من هذه الكلمة التي غلب عليها المديح والردح لحكومات دول اجنبية عديدة على رأسها امريكا حيث قال بصوت جهوري" كما أحيي سيدة العالم الولايات المتحدة الامريكية". وهنا اجد صعوبة في وصف مشاعر النشوة والغبطة الظاهرة على محيا السيد/ النفيص ! وهويتغزل في سيدّته امريكا ، فالصورة هنا أبلغ من الكلام . ولكن إذا ما حاولنا قراءة تعابيرالصورة وعبارات الكلمة معًا سنكتشف بسهولة مدى انبهار وتحمّس السيد/ النفيص للولايات المتحدة الامريكية. ولعمرى كأني به السيناتور ماكين؟! مع حفظ الألقاب !!!. ويا للهول. . هذا أمر خطير ولايستقيم مع معايير الشخصية الوطنية الليبية. لكن في حال كونه ليبي الأصل والجنسية يتوجب عليه قراءة الداكرة التأريخية بعيداً عن الصورة الامريكية المزيفة ، وسيجد أن امريكا هذه قد نشأت وتوسّعت على انقاض شعوب امم اخرى ، وسيادة امريكا المزعومة لم تقم على أسس القيم الإنسانية وانما على الظلم والعدوان. فبئس السيادة التي بها يفتخر. وسيجد بأن امريكا هي من وقف وراء غرس شوكة اسرائيل في قلب الأمتين العربية والإسلامية وهي من منع ويمنع العرب والمسلمين من اقتلاع هذه الشوكة المسمومة .. أما على الصعيد الوطني إذا نسي تأريخ ليبيا فليسأل سكان تاجوراء وسوق الجمعة عن ماذا فعل الأمريكان بأجدادهم وابائهم قبل ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 . هنا ومن باب لاتبخسوا الناس اشيائهم اذكّره إذا ما تناسى بأنه وفي ظل عهد القذافي من يوصف اليوم بالطاغية! فقد تم إجلاء القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية وبقايا الطليان الفاشيست في عام 1970. ووزع هذا الطاغية القذافي حسب وصفه دورهم ومحلاتهم ومزارعهم على مستحقيها من الليبيين دونما تمييز. وليسأل الليبيين الذين استشهد ابنائهم وابائهم على أيدي طياروا وبحارة امريكا دفاعاً عن حرمة المياه الأقليمية الليبية . وأيضا ً في ابريل 1986 عندما أغارت الطائرات الامريكية على مدن ليبية واستشهد العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال المدنيين والعسكريين في طرابلس وبنغازي . كل هؤلاء وغيرهم ممن استشهدوا في سبيل ليبيا بفعل قنابل وصواريخ حلف الناتو الصليبي عام 2011 , خلفهم الآف العائلات ومئات القبائل الليبية الشريفة ، لن يفرطوا في دماء شهداء الوطن الزكية ، وبالتالي لا يمكنهم أن يحبوا امريكا وحلفاءها ، فكيف بالله عليك يا سيد انفيص! وأنت تؤسس لحزب سياسي ليبي أن تتجاهل مشاعر كل هؤلاء وتتغزل في امريكا وتتبجح بسيادتها المزعومة للعالم ؟!. لكن للأسف وفي ظل ظروف مرحلة الفوضى والفراغ السياسي التي تعيشها بلادنا أصبح كل شيء جائز بما فيها تشكيل الأحزاب السياسية والدينية - ليبية المنشأ واجنبية الانتماء!. وفي هذا الموضع استحضر مقطع من مقالة لكاتب عراقي بعنوان: من سيحمي المدنيين الليبيين من صواريخ توما هوك؟ يقول " القوى السياسية الليبية التي وضعت مصيرها في أيدي الغرب ستنال السلطة ، لكنها لن تكون أكثر من خادم مطيع وذليل للإمبريالية العالمية ". أما وقد تحققت لهم الأولى شئنا أم آبينا ، فلا نرضى لهم ولا نقبل بالثانية . وعلى القوى السياسية الليبية الأصيلة التحرك وأن تؤسس إلى بناء ليبيا الحرة المستقلة .
رب سائل يقول : لما تغير منطق الأمور ولماذا اصبح العدو صديقا والشيطان ملاكا واصبح التحالف مع امريكا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا مصلحة وطنية عليا. وما الذي دفع بساسة وثوار 17 فبراير لإستقبال ومعانقة الفيلسوف اليهودي الصهيوني برنارد هنري ليفي المعروف عنه دعمه المطلق لعصابة الكيان الإسرائيلي وعدائه الشديد للعروبة والإسلام ،...؟. يبدو ان لكرسي الحكم سحره بحيث لا يستطيع الإنسان مقاومته وقد يبدل الإنسان موقفه ويغير مبدأه من اجل الجلوس عليه. والأنكى والأمر ، هو إذا ما كان أولئك (الساسة والثوار) يعتقدون بأن امريكا وحلفاءها من سيوصلهم لكراسي الحكم وليس صناديق الاقتراع وثقة الشعب.
خاتمة ومجمل القول : فكل من قرا التاريخ ، سيتأكد بان كل شيء بالنسبة لامريكا وحليفاتها ومحمياتها له ثمن يدفعه من يتعامل معهم. ولكن على من يحكم البلاد ان يعلم ان التحالف مع اي بلد يكون ضمن حدود لا يمكن الخروج عنها وإلا اصبح ذلك احتلالا . وبأنه في النهاية سيكون مسؤولا عن مواقفه أمام الله والشعب ..وسجل التأريخ يدوّن.