عن بلد آخر لا تتوقف عذاباته!

أخبار البلد-

 

والحديث اليوم عن هايتي، هذه الدولة الكاريبية التي يعود اهتمامي بمعاناتها جراء الظلم الأميركي الفادح، الى يوم اهدتني سيدة اميركية في تسعينات القرن الماضي كتاباً بعنوان «جبال وراء جبال» للطبيب الأميركي پول فارمر الذي كرّس حياته لعلاج آلاف من مواطنيها من السل والإيدز، وتبين لي لاحقًا ان هايتي قد بدأت معاناتها قبل ذلك بزمان طويل على يد فرنسا حين كانت جزءاً من مستعمراتها ومركزًا لتجارة العبيد السود الذين بلغ عددهم ٤٥٠ ألفًا في عام ١٨٠٠ يدرّون عليها أرباحًا هائلة، وعرفت مؤخراً خلال مناقشة على القناة الإخبارية ال?ميركية المستقلة ديموكراسي ناو لكتاب «عذابات متواصلة، هايتي من الثورة الى اختطاف رئيس الدولة» لراندال روبرتسون (توفي قبل ايام عن ٨١ عاما) المحامي الأميركي والناشط في مجال حقوق الإنسان وأحد المنتقدين البارزين للسياسة الأميركية في هايتي خصوصًا بالنسبة للانقلاب الذي دبرته عام ٢٠٠٤ ضد الرئيس جين بيرتراند أريستيد المنتخب ديمقراطيًا، وكان روبرتسون فيما مضى ايضا أحد قادة الحركة الأميركية ضد الأبارتايد في جنوب افريقيا، وفي حديث معه عن هايتي عام ٢٠٠٧ قال ان ثورة العبيد فيها استمرت ١٢عامًا قضى فيها خمسون الفاً بعد ان?هزموا حتى عام ١٨٠٤ جيشين فرنسيين كان ثانيهما في عهد نابليون، وأسست أول جمهورية حرة في الأميركتين (لان الولايات المتحدة آنذاك كانت لا تزال تملك عبيداً وتتاجر بهم)، واطلقت الثورة مبدأها الشهير «ان اي مستعبَد اينما كان سيجد له مكاناً وملاذًا في هايتي، وان أي شخص في العالم ينشد الحرية سوف يلقى أذنًا صاغية في هايتي»، وساعدتْ ثوراتِ تحرير العبيد في اميركا الجنوبية وما زالت تتمتع بالاحترام في بلد كفنزويلا، وحظيت بتقدير كبير من الزعيم التاريخي سيمون بوليفار، ما حرّك احقاد الغرب الأبيض ضدها فقاطعتها دول أوروبية عدي?ة بينها الفاتيكان وعاقبتها فرنسا بتسديد تعويضات استمرت ل١١١سنة وكانت تستهلك ٨٠٪ من ميزانيتها الضعيفة مقابل ما فقدته من تجارة العبيد! كما ناصبتها الولايات المتحدة العداء ففرضت عليها حصارا ولم تعترف بها منذ جورج واشنطن حتى ميثاق تحرير العبيد في عهد أبراهام لنكولن، لكن الغضب عليها بعد ذلك لم يخفّ ولم يلن حتى انها غزتها عام ١٩١٥ ابان عهد وودرو ويلسون(!) وارتكبت جرائم فظيعة ليس آخرها القبض على شارلمان بيرليت قائد المقاومة وقتله وتعليق جثته على صليب خشبي لأيام طويلة لكي يكون عبرة لأي هايتي تسوّل له نفسه ان يتحدى?اميركا!

نعود لرئيس هايتي المنتخب بأغلبية ٩٢٪ الذي نظم في عام ٢٠٠٣ مؤتمرًا للتعويضات تمخض عنه مطالبة فرنسا بتعويض هايتي بمبلغ ٢١مليار دولار هي قيمة ما دفعته هايتي زوراً وتعسفاً «تعويضاتٍ» لفرنسا، وهنا أرسل وزير الخارجية الفرنسي اخته(!) إلى الرئيس ارستيد لتبلغه بان رحيله قد حان! وفعلًا بعد ايام دبرت الولايات المتحدة الانقلاب ونفته الى جمهورية أفريقيا الوسطى، وتبادل الرئيسان جورج بوش وجاك شيراك التهاني.

وبعد.. فمن تفاصيل الانقلاب ان حوالي ٣٠من افراد القوة الخاصة الأميركية بكامل عدتهم حاصروا بسيارات عائدة للسفارة الأميركية في هايتي منزل الرئيس اريستيد واختطفوه مع زوجته في طائرة بلا علامات مميزة الى المنفى في جمهورية افريقيا الوسطى، ومرحى للدرس الديموقراطي العظيم الذي تلقنه دولتان كبريان لشعوب العالم!