السياسة النقدية ومكافحة التضخم

أخبار البلد-

 
للسلطة النقدية في أي بلد عدة اهداف تسعى لتحقيقها مثل استقرار مستوى الأسعار وضبط معدلات التضخم، وتحفيز النمو الاقتصادي، والمحافظة على استقرار أسعار صرف العملة الوطنية، وسلامة الجهاز المصرفي وغيرها من الأهداف. ولكن التحدي الدائم امام السلطة النقدية هو صعوبة تحقيق معظم هذه الأهداف في ذات الوقت، بل أحيانا نجد ان تحقيق هدف معين (مثل مكافحة التضخم) قد يتعارض مع تحفيز النمو الاقتصادي. فمكافحة التضخم يتطلب عادة رفع أسعار الفائدة وهذا الرفع يكون له اثار انكماشية على الاقتصاد الكلي.

لذلك، تقوم السلطات النقدية بترتيب أولوياتها حسب أوضاعها الاقتصادية والتي تختلف من بلد الى اخر ومن فترة الى أخرى.

عادة ما تطبق السلطات النقدية سياسات تعرف بانها معاكسة للدورة الاقتصادية Countercyclical، أي انه يتم اتباع سياسة نقدية توسعية بتخفيض أسعار الفائدة وزيادة السيولة في الاقتصاد خلال فترات التراجع والانكماش الاقتصادي، بينما يتم اتباع سياسة نقدية تشددية او انكماشية برفع أسعار الفائدة وسحب السيولة او الحد منها عند وصول الاقتصاد الى مستوى العمالة الكاملة او قريب منها تجنبا للضغوط التضخمية.

إن التوسع والانفاق العام (الاستهلاكي والحكومي) بوتيرة عالية تفوق قدرة الاقتصاد على زيادة الإنتاج بنفس الوتيرة وخاصة في حال كان الاقتصاد قريب من العمالة الكاملة، حتما سيؤدي الى ضغوط تضخمية. ولكن، هنالك أسباب أخرى قد تؤدي الى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم مثل التضخم المستورد (وخاصة في اقتصادات صغيرة وتشكل التجارة الخارجية والمستوردات نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي)، وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، والتأخير في سلاسل التوريد، وظروف عدم الاستقرار الأمني والسياسي، حيث ان جميع هذه العوامل وغيرها قد يؤدي الى ارتفاع معدلات التضخم.

لذلك، قد يرى البعض ان رفع أسعار الفائدة سوف يؤدي الى كبح معدلات التضخم. ان هذا السيناريو من شبه المؤكد ان يحصل إذا كان السبب الرئيسي للتضخم هو ما تم ذكره في بداية هذه الفقرة.

وعليه، يتوجب على البنوك المركزية ان تقوم بدراسة وتحليل أسباب التضخم المتعددة ومعرفة السبب الرئيسي وذلك قبل تصميم السياسة النقدية وتطبيقها من خلال الأدوات المختلفة سواء أسعار الفائدة او غيرها من الأدوات. فعلى سبيل المثال، إذا كان السبب الرئيسي للتضخم هو ارتفاع أسعار المستوردات من المواد الغذائية والطاقة، او التأخير في سلاسل التوريد، فان زيادة أسعار الفائدة فقط لن يكون كافيا لكبح هذه النوع من التضخم. في مثل هذه الحالات فان رفع أسعار الفائدة قد يؤدي الى تباطؤ اقتصادي وربما دخول الاقتصاد في مرحلة الركود التضخمي وخاصة إذا طبق البنك المركزي هذه السياسة بوتيرة سريعة.

ان هذه الحالة تحصل حاليا في الولايات المتحدة الامريكية، حيث قام البنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الامريكي) بزيادة أسعار الفائدة على مدار 12 شهرا الماضية بهدف ضبط معدلات التضخم التي وصلت مستويات لم تصلها منذ 40 عاما. الا ان سياسة الاحتياطي الفدرالي لم تحقق مستويات التضخم المستهدفة بحدود 2.0-2.5%، بل ادت الى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي ومواجهة بعض البنوك لصعوبات في السيولة. ويعود ذلك الى ان ارتفاع معدلات التضخم ليست فقط ناتجة عن ارتفاع الانفاق الاستهلاكي بوتيرة عالية، وانما بسبب عوامل خارجية مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع اسعار الطاقة، والتي هي خارج سيطرة البنك الاحتياطي الفدرالي. لذلك، هنالك العديد من الاقتصاديين بدأوا بالمطالبة بوقف رفع أسعار الفائدة بل بالمطالبة بتخفيضها حاليا.

اما في الأردن فالأوضاع الاقتصادية مختلفة عن الولايات المتحدة، حيث ان معدلات النمو الاقتصادي ما زالت تعاني منذ الازمة المالية العالمية، مصحوبة بضعف الانفاق الكلي وارتفاع معدلات البطالة فوق 20%.

وعليه، فان الضغوط التضخمية الاخيرة في الأردن (بالرغم من انها معتدلة) جاءت بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. في ظل هذه المعطيات، ولو ان الهدف الوحيد والرئيسي للبنك المركزي هو تحفيز النمو الاقتصادي، لكان من المفروض ان يتم تخفيض أسعار الفائدة.

ولكن البنك المركزي لدية عدة اهداف يسعى لتحقيقيها مثل استقرار سعر الصرف واستقرار الأسعار وتحفيز النمو الاقتصادي وبالتأكيد بأولويات تختلف عن تلك للاقتصاد الأمريكي.

لذلك، من أكبر التحديات التي تواجه أي بنك مركزي هو تحقيق مجموعة من هذه الأهداف في نفس الوقت، حيث ان تحقيق بعض منها يتطلب سياسات مغايرة عن تلك المطلوبة لتحقيق اهداف أخرى.

وفي الختام، لابد من الإشادة بصانعي السياسة النقدية الحصيفة في الأردن ومحاولتهم الدائمة للموازنة بين الأهداف الاقتصادية الرئيسية للاقتصاد الوطني.

اقتصادي رئيسي/ صندوق النقد الدولي سابقا