ماذا بعد كرسي العرش !!
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، عملت في المجلس الوطني الأستشاري قبل أن أبلغ سن الثامنة عشر في فترة العطلة الصيفية ،وكان المجلس هو السلطة التشريعية "بالانابة " ، وكانت وظيفتي انا وزميل لي هي المحافظة على مسرح المجلس وإعداده وتترتيبه ليكون معد لجلسات المجلس ، حيث نوزع أوراق العمل وملفات القضايا وجدول الأعمال وما يُعرض على المجلس لإقراره على طاولات المقاعد قبل حضور الأعضاء ، وكان السيد عدنان بعيون ( الأمين العام للمجلس حينها ) يطلب دوما ان نتعامل مع كرسي العرش الذي ينتصب وحده خلف الستارة على مسرح القاعة بكل " حنان ورقة " مستخدمين قطعة صفراء مما كان يطلق عليها " جلد الغزال " مبللة ليس بماء بل بمادة كيماوية خاصة ( فوم ) خشية ان لا يُتلف خشب الكرسي أو يصاب الجلد بالتشقق ، وكان يداعبنا بالقول لو خرب هذا الكرسي فستذهبون الى المشنقه ، وكانت كلمته المشهودة لنا دوما ما بدي أوصيكوا ، دير بالكوا على الكرسي !
لم نكن حينها ندرك قيمة الكرسي الأزرق الذي ترتفع فيه مسندة الظهر بطبقة جلد مريحة ، وفي إعتقادنا أن ذلك الكرسي المصان بعناية قد يرتفع ثمنه قليلا عن بقية ما نشاهد من كراسي كثيرة تتوزع في أرجاء المجلس ، حتى كان يوم إفتتاح أعمال المجلس ، دخل جلالة الملك الحسين رحمه الله من باب المجلس مباشرة الى مسرح المجلس وجلس فوق ذاك الكرسي للحظات قبل أن يلقي الخطاب السامي لإفتتاح أعمال المجلس ! فأرتبطت بأذهاننا سر ذاك الاهتمام حيال الكرسي ، أي ان البلاد تسطر تاريخا في ذلك اليوم ، بحضور وخطاب ملكي وجلوس على كرسي العرش ، كان للكرسيي مكانته ودوره في بروتوكولات خطاب الملوك ، وله قيمته المقرونة بقيمة وقدر من ألزموه ذاك الدور ورفعوا من شأنه المعنوي والتاريخي والحضاري .
كان واجبا أن يكون الكرسي في أوج لمعانه ونظافته ومكانه المعهود دون تحريك ، وأذكر كذلك أن احد الموظفين اقترح على الامين العام نقل الكرسي الى قاعة استقبال جلالة الملك للسادة العضاء والضيوف بعد الأنتهاء من الخطاب السامي ،فأجابه ابو ناصر : ولماذا ! هذا له وظيفة واحدة أخطر وأهم من إستقبال الأعضصاء والضيوف ، فهو مخصص فقط للملوك قبل أن يتسلموا مهامهم الدستورية ، وإذا تبدلت وظيفته أو نزل عن موقعه وتحرك ضاعت هيبته !
اسوق هذه الواقعة التي حصلت قبل اكثر من 30 عاما حين كانت الدولة ورجالاتها ومؤسساتها تحرص على كنوز الدولة الثمينة وإرثها الثقافي والتاريخي الذي كانت تحرص عليه و تتباهى به كعهد الأمم في العالم ، فقيمة الكرسي السوقية قد لا تتعدى مبلغ ال60 دينارا التي بيعت به لبائع متجول كما اشيع في عهد المدعوة اسمى خضر - وزيرة ثقافة الاردن لفترة خلت ، ولكنها مرتبطة بالحرص والتقدير والإحترام لصفحة من تاريخ هذا الوطن ، وأي تاريخ ، إنه تاريخ تسلم ثلاثة زعماء " ملوك " عظام للدولة الأردنية ، وهم الملك المؤسس عبدالله الاول ،و الملك طلال بن عبدالله و الحسين بن طلال. رحمهم الله جميعا .
كرسي العرش شاهد كغيره من شهود تلك اللحظات التاريخية من حياة وطننا ، فقيمة الوطن وقدر وعظمة من اعتلوا ذاك الكرسي ما كان يسمح للبعض أن يتخطى التاريخ والعهد ، وأن ُيلقي بالشاهد الحي الى خارج المجلس ليباع خردة تضاف الى خردوات المطابخ والمصانع والمعامل في سقف سيل عمان ، ما لم يكن اصحاب فكرة التخلي عن كرسي العرش مُبعثرون في تركيبات نفوسهم ، مشتتوا الولاء والانتماء ، منحازون الى تاريخ وإرث غير إرثنا ، وإلا ما كان يسهل عليهم إلقاء الكرسي وسط خردوات سقف السيل ! وإذا اتيحت لهم الفرص ، لا ندري ماذا سيلقون أو يبيعون غدا ، أهي الهوية أم الوطن أم الشعب أم لكل ما يشير لوجود الدولة الأردنية للتمهيد لطمس تاريخها وهويتها !
قبل أيام بيع كرسي عتيق كان ايف سان لوران اشتراه وجلس عليه لعامين فقط كما يقال في مزاد عالمي ، صممته فنانة فرنسية تسمى الانسة غراي عام 1931 تم بيعه ب 28 مليون دولار تكريما لمن كان يجلس عليه ساعة استراحته ، فما قيمة الرجل هذا مع ثلاثة ملوك من زعماء الأمة ورجالاتها !
لو حدث هذا الامر في دولة أخرى ، لقامت الدنيا وما قعدت ، ولتحرك النائب العام بدعوى قضائية بحق من اتخذ قرار تصفية جزءا من تاريخ وإرث بلاده ، ولكنه الأردن ، الأردن الذي انكر الناس مكارمه ومحاسنه وطيبة شعبه وتسامح نظامه ، وبادلوه الكره بالمحبة ، فهل ارتاحت تلك السيدة حين ألقت جزءا من تاريخنا وتراثنا وذكرانا الجميلة في محال الخردوات في سقف السيل ! وهل يدرك اولئك المدافعون عن " فعلتها " أنهم إنما يصطفون الى جانب ليس الوزيرة بعينها ، بل الى ما تحمله من فكر وموقف تجاه بلادنا !
اعتقد أن كل ذلك لن يهز لها جناح ، ولن يحرك لها ساكن ، كما هي حال الحكومة اليوم التي رفضت الإجابة على استفسار النائب الهميسات حول صحة تلك الجريمة !!
لم نكن حينها ندرك قيمة الكرسي الأزرق الذي ترتفع فيه مسندة الظهر بطبقة جلد مريحة ، وفي إعتقادنا أن ذلك الكرسي المصان بعناية قد يرتفع ثمنه قليلا عن بقية ما نشاهد من كراسي كثيرة تتوزع في أرجاء المجلس ، حتى كان يوم إفتتاح أعمال المجلس ، دخل جلالة الملك الحسين رحمه الله من باب المجلس مباشرة الى مسرح المجلس وجلس فوق ذاك الكرسي للحظات قبل أن يلقي الخطاب السامي لإفتتاح أعمال المجلس ! فأرتبطت بأذهاننا سر ذاك الاهتمام حيال الكرسي ، أي ان البلاد تسطر تاريخا في ذلك اليوم ، بحضور وخطاب ملكي وجلوس على كرسي العرش ، كان للكرسيي مكانته ودوره في بروتوكولات خطاب الملوك ، وله قيمته المقرونة بقيمة وقدر من ألزموه ذاك الدور ورفعوا من شأنه المعنوي والتاريخي والحضاري .
كان واجبا أن يكون الكرسي في أوج لمعانه ونظافته ومكانه المعهود دون تحريك ، وأذكر كذلك أن احد الموظفين اقترح على الامين العام نقل الكرسي الى قاعة استقبال جلالة الملك للسادة العضاء والضيوف بعد الأنتهاء من الخطاب السامي ،فأجابه ابو ناصر : ولماذا ! هذا له وظيفة واحدة أخطر وأهم من إستقبال الأعضصاء والضيوف ، فهو مخصص فقط للملوك قبل أن يتسلموا مهامهم الدستورية ، وإذا تبدلت وظيفته أو نزل عن موقعه وتحرك ضاعت هيبته !
اسوق هذه الواقعة التي حصلت قبل اكثر من 30 عاما حين كانت الدولة ورجالاتها ومؤسساتها تحرص على كنوز الدولة الثمينة وإرثها الثقافي والتاريخي الذي كانت تحرص عليه و تتباهى به كعهد الأمم في العالم ، فقيمة الكرسي السوقية قد لا تتعدى مبلغ ال60 دينارا التي بيعت به لبائع متجول كما اشيع في عهد المدعوة اسمى خضر - وزيرة ثقافة الاردن لفترة خلت ، ولكنها مرتبطة بالحرص والتقدير والإحترام لصفحة من تاريخ هذا الوطن ، وأي تاريخ ، إنه تاريخ تسلم ثلاثة زعماء " ملوك " عظام للدولة الأردنية ، وهم الملك المؤسس عبدالله الاول ،و الملك طلال بن عبدالله و الحسين بن طلال. رحمهم الله جميعا .
كرسي العرش شاهد كغيره من شهود تلك اللحظات التاريخية من حياة وطننا ، فقيمة الوطن وقدر وعظمة من اعتلوا ذاك الكرسي ما كان يسمح للبعض أن يتخطى التاريخ والعهد ، وأن ُيلقي بالشاهد الحي الى خارج المجلس ليباع خردة تضاف الى خردوات المطابخ والمصانع والمعامل في سقف سيل عمان ، ما لم يكن اصحاب فكرة التخلي عن كرسي العرش مُبعثرون في تركيبات نفوسهم ، مشتتوا الولاء والانتماء ، منحازون الى تاريخ وإرث غير إرثنا ، وإلا ما كان يسهل عليهم إلقاء الكرسي وسط خردوات سقف السيل ! وإذا اتيحت لهم الفرص ، لا ندري ماذا سيلقون أو يبيعون غدا ، أهي الهوية أم الوطن أم الشعب أم لكل ما يشير لوجود الدولة الأردنية للتمهيد لطمس تاريخها وهويتها !
قبل أيام بيع كرسي عتيق كان ايف سان لوران اشتراه وجلس عليه لعامين فقط كما يقال في مزاد عالمي ، صممته فنانة فرنسية تسمى الانسة غراي عام 1931 تم بيعه ب 28 مليون دولار تكريما لمن كان يجلس عليه ساعة استراحته ، فما قيمة الرجل هذا مع ثلاثة ملوك من زعماء الأمة ورجالاتها !
لو حدث هذا الامر في دولة أخرى ، لقامت الدنيا وما قعدت ، ولتحرك النائب العام بدعوى قضائية بحق من اتخذ قرار تصفية جزءا من تاريخ وإرث بلاده ، ولكنه الأردن ، الأردن الذي انكر الناس مكارمه ومحاسنه وطيبة شعبه وتسامح نظامه ، وبادلوه الكره بالمحبة ، فهل ارتاحت تلك السيدة حين ألقت جزءا من تاريخنا وتراثنا وذكرانا الجميلة في محال الخردوات في سقف السيل ! وهل يدرك اولئك المدافعون عن " فعلتها " أنهم إنما يصطفون الى جانب ليس الوزيرة بعينها ، بل الى ما تحمله من فكر وموقف تجاه بلادنا !
اعتقد أن كل ذلك لن يهز لها جناح ، ولن يحرك لها ساكن ، كما هي حال الحكومة اليوم التي رفضت الإجابة على استفسار النائب الهميسات حول صحة تلك الجريمة !!