اللّصوصية... حرفة وخبرة وتخصص


في ظلّ التردّي الدّينيّ والأخلاقيّ والقيميّ متبوعا بتردّي أحوال العباد من فقر وعوز وحاجة، شاعت ظاهرة سرقة المناهل والحاويات والحديد وغير ذلك في مجتمعنا حتى أصبحت حرفة ومهنة بكلّ ما في الكلمة من معنى. بل وتوزع ممتهنو هذه الحرفة إلى مجالات يختص كلّ منها في نوع محدّد يتم التعامل والتداول به. زد على هذا، أنّ هذه المهنة لها خطّ إنتاج يبدأ بأطفال ما يعرف-على أرض الواقع- بأطفال الحاويات وينتهي بتجار جملة كبار يعيدون تدوير ما يُسرق من حديد وبلاستيك وألومنيوم وغير ذلك، وبيعه مرة أخرى. ومن الطبيعي أن يشمل خطّ الإنتاج هذا بعض خسيسي النفوس أيضا ممن يستخدمون (البكمات) في تجميع ما يسرقونه؛ هؤلاء الذين يمكن تسميتهم بزائري الظلام، حيث يسرقون ما تطاله أياديهم من تلك الأصناف سالفة الذكر وغيرها. كما يتضمن خطّ الإنتاج كذلك تجار وسطاء يجمعون السكراب والخردة لتوريدها إلى من هم أكبر منهم نفوذا في هذا الكار.
انتشرت هذه الظاهرة في العديد من الأماكن؛ في شمال الأردن وجنوبه، وفي شرق الأردن وغربه. وكثرت الشكاوى من المواطنين في إربد ومادبا وأم البساتين والزرقاء والقويسمة والمزار الجنوبيّ مثالا على ذلك لا حصرا. وصارت هذه المهنة حرفة، ضليعٌ بأسرارها ضعاف النفوس هؤلاء. وتفرعت إلى تخصصات متعددة؛ حديد( أغطية مناهل، حاويات، شواخص مرورية، أسطوانات غاز، شبابيك وأبواب لمنازل غير مسكونة، بوابات خارجية لبناية أو مزرعة مثلا، زوايا حديد أسيجة البساتين أو الحواكير، جنطات سيارات،وغير ذلك مما لا يخطر على بال) ومثل ذلك الخردوات والعتق الكهربائية والمنزلية والتي قد يتعاون في هذا التخصص طرفان؛ الأول من داخل المنزل كالخادمة مثلا، والطرف الثاني شخص يتعاون معها بحيث تلجأ هذه الخادمة مثلا إلى إتلاف بسيط لقطعة كهربائية ، فيقرر ربّ البيت رمي القطعة، فتتفق الخادمة مع الطرف الآخر على زمان ومكان رمي هذه القطعة، ولك أن تتخيل بقية السيناريو. ولك أن تتخيل أيضا أسرارا كهذه مع جامعي الخردوات أو السائقين أو الوسطاء.
إنّ إعادة تدوير المخلفات الحديدية والبلاستيكية وغيرها من الإجراءات الرائعة جدّا، والمفيدة للبيئة والاقتصاد، وهي كذلك توفّر دخلا نقيّا حلالا لمن يخاف ربه ويحترم نفسه، فيكون عمله شريفا نظيفا نحني رؤوسنا له ولعمله احتراما وتقديرا. سواء أكان جامعا بيده أو (ببكمه ) أو أكان وسيطا أم تاجر جملة أم صاحب مصنع. فمثل هذا النّفر من المواطنين الشرفاء يساهم في بناء بلده، ويحافظ على بيئة منطقته، ويوفرّ رزقا حلالا ولقمة حلالا لأبنائه وعياله. ولكنّ الدخلاء عليهم أساؤوا لأنفسهم بعد أن أساؤوا لهذه المهنة التي يرتزق منها من يقدّس العمل مهما كان مادام يتصفّ بمرجعيته إلى الدّين والأخلاق والقيم المتعارف عليها في المجتمعات العربية والإسلامية.
ومن أجل أن نميز الغثّ من السّمين، ومن أجل القضاء على هذه الظاهرة المنحرفة هي وشخوصها، وكي نحلّ شكاوى المواطنين المتتالية في كلّ ركن من أركان هذا البلد الطّيّب؛ فإنّ أملنا كبير بأجهزتنا الأمنية التي لن تعدم الوسيلة والطريقة لوأد هذه الظاهرة أو على الأقل التخفيف من آثارها حتى حين. وبالتعاون مع المواطن أولا في التبليغ عن مثل هذه السرقات مهما كان ثمن المسروق زهيدا؛ فلعل القبض على صغائر اللصوص يقود إلى أكابرهم، بل وقد نكتشف وجود مافيات للخردوات والعتق والمخلفات المسروقة.