أخبار البلد - كانت دولة الاحتلال تبني سياسة انخراطها في منطقة الخليج العربي على أساس استدامة التوترات بين دول الخليج العربي وإيران، بل ان معظم الاتفاقات التي وقعتها السنوات الأخيرة وجوهرها "اتفاق ابرهام "كان من وازع شيطنة إيران وتصويرها بالعدو المشترك لدول المنطقة الذي يريد ان يفتت هذه الدول ويسيطر على الممرات المائية العربية وينشر الإرهاب وعدم الاستقرار في كل مكان باعتبارها الدولة الكبيرة التي تملك أكبر قوة مسلحة في المنطقة, كانت إسرائيل كدولة مخربة بالشرق الأوسط تستغل حالة الحرب الدائرة بين السعودية والامارات من طرف واليمن من طرف اخر لتعزيز هذا التصور حتى انها لجأت الى عقد العديد من اتفاقيات بيع الأسلحة والصواريخ لبعض دول الخليج وأصبح السلاح الإسرائيلي وخاصة سلاح التكنولوجيا هو البضاعة الرائجة في كثير من دول الخليج بالإضافة الى تكنولوجيا التجسس وجمع المعلومات التي خصصت لها اتفاقيات خاصة لتبادل المعلومات بين إسرائيل ودولة الامارات والتي وقعت ضمن "اتفاق ابرهام " ما يتيح لإسرائيل معرفة كل صغيرة وكبيرة في المنطقة ورسم خارطة مصالحها على هذا الأساس .
حتى وقت قريب كانت تصريحات نتنياهو تكاد تجزم ان العربية السعودية قد اقتربت من توقع اتفاق مع دولة الاحتلال وكل تصريح كان يصدر من طرف نتنياهو حول اقتراب التطبيع مع السعودية كان يقابل بتصريحات من مستويات عليا في المملكة تؤكد ان الملكة العربية السعودية لن تعقد أي اتفاق تطبيع مع دولة الاحتلال قبل ان تنهي احتلالها للأرض الفلسطينية وتعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتطبق حل الدولتين على أساس مبادرة السلام العربية وكان اخرها تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير ( فيصل بن فرحان ال سعود) في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية روسيا قبل أيام على أهمية الحل العادل للقضية الفلسطينية من اجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط واعتبر "ان الأوضاع في فلسطين مقلقة للغاية ما يحتم على الجميع البحث عن سبل إعادة مسار الحوار على اساس مبادرة السلام العربية" . يناير الماضي وفي مقابلة مع (تلفزيون بلومبيرغ) على هامش مؤتمر دافوس بسويسرا قال الأمير فيصل بن فرحان "ان الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية هو شرط السعودية المسبق لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل "وهنا اغلق الباب امام مزيد من التصريحات لنتنياهو الذي اعتبر بعد ذلك ان التطبيع مع السعودية يحتاج الي وقت.
الاتفاق بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتبادل السفراء والممثليات خلال شهرين والذي جاء بوساطة صينية وتم توقيعه في بكين شكل ضربة سياسية لحكومة تل ابيب التي تعتبر إيران العدو الأكبر لإسرائيل وتحاول منذ سنوات ان تنشئ حلف دفاعي استراتيجي في منطقة الخليج العربي لمواجهة إيران في المنطقة وفتح افاق لانخراطها بسهولة في المنطقة. اعتبرت المعارضة الإسرائيلية هذا الاتفاق فشلا ذريعا لسياسة نتنياهو وحكومته واعتبر بمثابة ضرر أمنى كبير يحتاج إصلاحه الى سنوات ، وفي ذات الوقت يعتبر انتصارا سياسيا لإيران في المنطقة ,وفتح هذا الاتفاق الباب لشماتة المعارضة الإسرائيلية في نتنياهو بشكل خاص واتهام حكومة نتنياهو بمزيد من الإخفاق والضعف السياسي العام. الحقيقة ان هذا الاتفاق شكل ضربة من العيار الثقيل لسياسة نتنياهو الخارجية وما يطلق عليه استراتيجية "السلام المعكوس" مع ان مسؤولا كبيرا في حكومة نتنياهو حاول ان يخفف من تأثير هذا الاتفاق على خارطة التطبيع ,واعتبر ان هذا الاتفاق لن يؤثر على مسار التطبيع مع السعودية في المستقبل ، لكن اعتقد ان هذا الاتفاق سيحد من محاصرة الفلسطينيين وادماجهم في "اتفاقات ابرهام" في حال ابرام السعودية اتفاق تطبيع كان نتنياهو يسعي اليه، ما يعني ان هذه الاستراتيجية تلقت ضربة سياسية صعبة ستحد من تمادي نتنياهو بمزيد من التباهي بقدرته على توقيع المزيد من اتفاقات انهاء الصراع مع العرب وبالتالي المزيد من التوقعات ورسم الخطط لتصفية الصراع مع الفلسطينيين بطريقته.
جولة (لويد واستين ) وزير الدفاع الأمريكي الى المنطقة كانت بسبب قرب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني ولقاؤة مع نتنياهو الذي تناول هذا الامر بالتفصيل بالإضافة لتغير خارطة الدفاعات الامريكية في المنطقة والتي قد تكون جاءت على اثر علم واشنطن بالتقارب السعودي الإيراني , لذا فان نتنياهو يعرف مسبقا ولدية بعض المعلومات عن هذا الاتفاق ولم يكن مفاجئا, لكن إسرائيل لم تستطع التدخل لأفشال هذا الاتفاق ولم تفلح بإقناع واشنطن للعب دور اكبر لهذا الغرض وهذا ما يفسر تصريحات إدارة البيت الأبيض التي اعتبرت الاتفاق محط اختبار المرحلة المقبلة لإعادة الامن والاستقرار للمنطقة ,واعتبرت "انه كلما كانت علاقة إسرائيل وجيرانها افضل كان ذلك افضل للجميع". ضربة سياسية من العيار الثقيل لإسرائيل ليس بسبب انحصار مساحة التطبيع وتضاؤل فرصة ابرام اتفاق تطبيعي مع السعودية في المستقبل قبل ان ينتهي الاحتلال وانما بسبب تهيئة هذا الاتفاق لانضمام السعودية لحلف استراتيجي كبير وقوي يضم روسيا وايران وتركيا والصين وكوريا الشمالية وهذا يشكل صدمة أيضا لواشنطن التي فشلت خلال المرحلة الماضية لأقناع السعودية بعلاقات افضل وقبول زيادة انتاج النفط والغاز ما يعوض خسارة واشنطن من الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ورفض السعودية توفير الدعم المادي اللازم لتغطية بعض النفقات الامريكية على هذه الحرب .
لم يعد امام نتنياهو سوي الاعتراف بفشل استراتيجية "السلام المعكوس" وعدم قدرته على الاستمرار في الكذب على الجمهور الإسرائيلي الذي بات محبطا من حكومته ويطالب بسقوط الائتلاف الذي يصر على تحويل الدولة الي كيان ديني لا يؤمن بالديموقراطية ويريد توظيف كل مؤسسات الدولة لصالح الحريديم وحدهم لتصبح باقي مكونات المجتمع الإسرائيلي مجرد مواطنين بحريات أساسية ضيقة يفتقد للقدرة على النمو والازدهار. ان مواجهة دولة الاحتلال هذا الاتفاق قد يشكل أحد اهم التحديات لحكومة نتنياهو التي تترنح بسبب الازمة الداخلية، واعتقد ان نتنياهو لن يكون قادرا على قيادة توجهات لمحاصرة هذا الاتفاق سعيا لوقف اندماج إيران في المنطقة ومنع رسم خارطة جديدة لمنطقة الخليج العربي تكون فيها إيران اللاعب الأهم والبديل الحيوي لانخراط دولة الاحتلال في المنطقة.