السؤال الإيراني في الأردن

أخبار البلد - السياسة لا تخضع للمشاعر، ومسألة الحق من العوامل الضعيفة التي تحرك القرار السياسي على المستوى الدولي، وليس إلا المصالح هي الحاكم الرئيسي في توجهات الدول، بل وكثير من الأخطاء السياسية نتجت بصورة جوهرية من فكرة التمسك بالحق، فخطاب ما قبل حزيران 1967 كان يستند إلى الحق ويترجمه، إلا أن الحدث في حد ذاته تحول إلى كارثة ما زالت آثارها قائمة إلى اليوم.

في ظل هذه المقدمة، يمكن أن نتفهم أن عملية كبيرة من إعادة الاصطفاف تحدث في المنطقة، والأيام التي تلت زلزال سوريا وتركيا كانت عملية تسريعية لاستعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومباشرة عملية إعادة ترتيب الأوراق في سوريا، وهو الأمر الذي سيشتمل بالضرورة على مستجدات داخل سوريا، وربما حركة لترشيق منظومة القرار في دمشق بعد التخلص من تهديدات وجودية تجاه إعادة إنتاج الدولة السورية التي ستختلف إلى حد ما، يصعب الوقوف على مداه، عن الدولة ما قبل الربيع العربي، فهذه قرارات سياسية داخلية، وخارطة معقدة من العلاقات.

السعودية التي تمهلت في اتخاذ خطوة بعد الزلزال واكتفت بتصريحات ايجابية تبدى أنها كانت في سياق اللمسات الأخيرة لاتفاق جديد مع ايران، وأتى الإعلان الثلاثي برعاية صينية، ليشمل جوانب كثيرة من التعاون، وبجانب الأمن يحضر الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، وهو ما يعني إحداث اختراق في مجموعة أخرى من الملفات، وخاصة في اليمن ولبنان.

آلية اتخاذ القرار معقدة داخل ايران، خلافاً للسعودية، والتساؤل يقع حول الجناح المتحمس للاتفاق داخل ايران، وما يدفع للتفاؤل هو تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، المرتبط عضوياً بالأجنحة المتشددة في طهران، والذي أثنى على الاتفاق واعتبره في مصلحة المنطقة وشعوبها وخاصة سوريا وفلسطين، ويوحي الأمر أن الاتفاق يتخذ صفة شمولية، ومع الرعاية الصينية يمكن قراءته في إطار تمكين الصين من تأمين جبهتها في الغرب، الحليفة باكستان، ومؤخراً السعودية وايران.

يحمل الأردن وجهة نظره الخاصة تجاه ايران، وكانت طهران أرسلت ضمنياً العديد من الإشارات الإيجابية للأردن، منها الاستقبال الاستثنائي لوفده في قمة دول عدم الانحياز سنة 2012، ولكن الأردن يدرك عملياً تعقيدات مسألة القرار في طهران، ولا يجد ضمانات كافية لتمدد علاقة إيجابية بين البلدين، ويقدر التكلفة القائمة للانفتاح بأنها ستحدث ذريعة للضغط على الأردن في ملفات أخرى، ومنها الملف الفلسطيني الذي وعلى الرغم من كل شيء، تبقى الأردن مع مصر الدول الوحيدة التي يمكنها أن تحدث فارقاً في مساراته بالصورة التي تنعكس على الفلسطينيين.

يقوم التوجه العام في الأردن فيما يتعلق بإيران على اعتبارين، الأول يمثل الالتزام القومي، مع العراق أثناء الثمانينيات ودول الخليج في المرحلة اللاحقة، ومصالح الأردن الذاتية وحساسيته الأمنية المفرطة نسبياً.

كنت قبل أيام جالساً مع أحد الشباب الأردني الذي يمتلك خبرة واسعة في ايران وسياستها وثقافتها، وكان موضوع النقاش حول مشكلة تهريب المخدرات من الحدود الشمالية، وتساءلت حول التفاهم مع إيران مباشرة، فأجابني: وهل تعقتد أن ابراهيم رئيسي يمكنه أن يتلقط سماعة الهاتف ويأمر بوقف أي أنشطة على حدود الأردن الشمالية؟ هذه مسألة متعذرة في بلد مثل إيران تتعدد أذرعته وتتوزع السلطة داخله بين أكثر من جناح.

كل ما يمكن أن نتمناه، هو أن يكون الاتفاق السعودي – الإيراني استراتيجياً وليس تكتيكياً، وأن يرتبط برؤية جديدة للمنطقة، وهو ما يرفع عن كاهل الأردن بخصوص قراره تجاه ايران العبء العربي المتعلق بأمن الخليج، والجوانب الأمنية في الاتفاق، ونظراً لعمق التفاهمات الأردنية – السعودية، يمكن أن تصبح مدخلاً للتفاهم حول ترتيب الأوضاع في الجنوب السوري، وبما يتوافق أصلاً مع فكرة إعادة تعويم سوريا عربياً التي يعتبر الأردن أحد الأطراف المبادرة في ترتيبها.

هذه الاعتبارات تفتح مجالاً للفرص من أجل الأردن، ولكن يبقى السؤال في عمان، هل نستفيد من هذه الفرص، أم تذهب بجانب فرص أخرى كثيرة ضاعت أمام عدم جرأتنا على إجراء ما يلزم من تحولات اقتصادية واجتماعية تجاه تأسيس دولة منتجة تمتلك إمكانيات النمو الذاتي وتستطيع أن تحقق لنفسها الحد اللازم من التنافسية المطلوبة في المنطقة التي تتغير على ايقاع تغيرات عالمية واسعة.

إيران بلد أكبر من أن تتجاهله الأردن، والأردن بدورها أصعب وأمنع من أن تُلتهم من إيران.