العشيرة والعشائرية


قال تعالى في كتابه الكريم سورة الشعراء آية 214 : (- وأنذر عشيرتك الأقربين - ) وأنا هنا لا أدّعي رغبتي في التفسير ، ولا محاولتي في الإفتاء ، فلكل أمر فارسه ، لكنني أحببت أن أستعين بآية من القران لتكون القول الفصل بيني ، وبين من يحاجج بمفهومي العشيرة والعشائرية ، بعد أن خرجت هاتان الكلمتان وابتعدتا عن معجمها اللغوي لتستقرا في معجم المعاني الاصطلاحية ، والتي تحتكم في النهاية إلى ثقافة الشعوب السائدة في زمانها ومكانها ، وقد ذهب بعضنا في ذلك مذاهب مختلفة تخدم ما يقول ، وما يعتقد .
إن خطاب ذي الجلالة والإكرام لنبيه عليه السلام واضح ، وجلي ، وفي الأمر دعوة مبكرة للإصلاح ، والصلاح ، بدلالة فعل الأمر – أنذر – والذي ليس في صياغته لُبس ، أو تأويل ، أو اجتهاد ، وهو فعل يحمل في داخله فكرة التضاد للفعل – بشــّر – واستكمالاً لدلالة الفعل فقد روى مسلم في كتابه عن أبي هريرة أنه حين نزلت هذه الآية جمع رسول الله أهله وعشيرته من قريش ، وقال مخاطباً كل عشيرة باسمها ... يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ...من هنا نلمس أن الفعل – أنذر – فيه تهديد من الله لمن لا يستقيم ، والعذاب واقع عليه حتماً ، ولن يكون في هذه الحالة الرسول شافعاً ، أو عاصماً لهم من الله ، وهذا ما حصل حقيقة مع عمه أبي لهب كما نعرف .
ندرك من هذه الدلالة الواضحة أنه يجب أن نكون مع عشيرتنا لحمايتها من الغواية ، ولمنعها عن الباطل ، ودفعها نحو الحق والرشاد ، هذا هو مفهوم العشيرة بتماسكها ، والعشائرية بمحبتها كما ورد في القران الكريم ، وكما أراد الله له أن يكون ، وحين يدعو رسول الله عليه السلام قريشاً ببطونها ..بني عبد شمس، وبني كعب ، وبني هاشم ، وبني عبد مناف ، وبني مُـرّة ، وبني عبد المطلب ، وفاطمة ، فإن في ذلك دلالة واضحة أن عشيرته هم أهل مدينته قريش أجمعين ، وليسوا بني عبد المطلب ، أو بني هاشم ، أو أهل بيته فاطمة ، والمدينة /قريش يومها تـُمثل الوطن كاملاً ، فالعشيرة هم أبناء الوطن الواحد ، إنه أمر واضح من الله عز وجل ، وتلبية واضحة من الرسول عليه السلام ، وبين الأمر والتلبية دلالة العشيرة واضحة بمعناها اللغوي ، والاصطلاحي ، وفي خطابه الآمر لنا قال رسول الله : أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما ، قالوا وكيف ننصره ظالماً ؟ قال: بمنعه عن الظلم ، فهل نحن نفعل ما أمر الله به نبيه ، وما أمرنا به رسولنا الكريم ؟؟
إن ظاهر الأمر والسلوك العام لا يقول ذلك ، وحالنا لا يتطابق مع الآية ، ولا مع الحديث ، إننا ما زلنا ندور في فلك الجاهلية الأولى ، وقد وقعنا في فخ العصبية القبلية .
واليوم وما دام خطاب جلالة الملك يدعو عشيرته الأقربين قائلاً : قوا أنفسكم من الفساد ، والعنف ، والبغضاء ، واتجهوا نحو الصلاح ، وأنا غير ناصر لفاسد ، ولكني واصل كل مصلح ، فلماذا لا نعمل على أن نكون عشيرته الواحدة ، بني حسن ، بني المحاميد ، بني عريقات ، بني العبيدات ، بني ابده ، بني القسوس ،بني المصري ،بني حرز الله ، بني الطراونة ، بني المجالي ، بني الغرايبة ، بني حدادين ، وبني الخصاونة ، وبني الفايز ، وباقي أبناء الوطن .
إنها دعوة صادقة أرجو العمل عليها