قانون إعدام الأسرى وسموتريتش ومحو حوارة

أخبار البلد - بالتزامن مع قيام إسرائيل عام 1948 بدأت حملة عالمية متصاعدة ضد عقوبة الاعدام، في الخمسينات قاد آرثر كستلر حملة ضد عقوبة الاعدام في بريطانيا، وبالفعل تم الغاء هذه العقوبة عام 1957، وبعد ذلك بقليل قاد الروائي الشهير ألبير كامو حملة شرسة مماثلة في فرنسا، تأخرت هذه قليلا لكنها ألغت عقوبة الاعدام عام 1981. وفي ذات المرحلة صدر القانون الانساني العالمي، والذي نص بشكل واضح ان لكل انسان الحق في اكمال حياته، ودعا الدول الى الغاء عقوبة الاعدام، واليوم ثلثا دول العالم ألغت هذه العقوبة، حسب تقارير منظمة العفو الدولية " امنيستي".


ربما نحتاج ان نوزع على وزراء الحكومة الإسرائيلية واعضاء الكنيست المتحمسين لاقرار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين كتاب "المقصلة" لكامو، ليدركوا ان الاعدام لا يردع بل هو بحد ذاته جريمة. الأسرى الفلسطينيون هم مقاومون للاحتلال، ومقاومة الاحتلال في ميثاق الأمم المتحدة حق مشروع، فهم بهذا المعنى مناضلون من أجل حرية شعبهم ويجب معاملتهم معاملة أسرى الحروب وان قتلهم او اعدامهم هو بمثابة جريمة حرب.

الجيل المؤسس لإسرائيل، أرادها ان تكون دولة "ديموقراطية واخلاقية" ولو بمعاييره الصهيونية، وأحد العناصر التي طالما كانت إسرائيل تتباهى بها هي انها دولة بدون عقوبة الاعدام، الحكومة الإسرائيلية الحالية تقوم بنزع البعدين الاخلاقي والديمقراطي عن الدولة التي تذكر في كتب تاريخها انها نشأت من وجع الاضطهاد الفاشي، وهو ما بدا يزعج حلفاء وأصدقاء إسرائيل من الدول الغربية الديمقراطية، وبالتزامن مع تصريحات وزير المالية سموتريتش، التي طالب فيها بمحو بلدة حوارة الفلسطينية، تكون ورقة التوت قد سقطت وكشفت ان اسرائيل عبارة عن دولة عنصرية وهي اليوم مع هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، وبما تمارسه من سياسات، قد أصبحت دولة فاشية خطيرة على السلام العالمي.

قانون إعدام الأسرى، الذي تعجل هذه الحكومة في اقراره، طرحه حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني بزعامة ليبرمان في شهر حزيران / يونيو عام 2015، ولاحقا طرح مشروع القانون مرات عديدة لكنه كان في كل مرة يوضع جانبا، الآن تم اقرار القانون بالقراءة التمهيدية، وهو بحاجة الى تصويت آخر ليصبح قابلًا للتنفيذ. من الواضح ان إسرائيل قد فقدت توازنها وهي اليوم تعيش ازمة داخلية هي الأصعب منذ قيامها، فإسرائيل تقف على مفترق طرق، إما ان تصبح دولة فاشية، أو تنجح المعارضة في لجم هذه الحكومة وتكتشف ان العنصرية والاحتلال لا يلتقيان أبدا مع الديمقراطية.

تصريح سموتريتش المليء بالحقد والعنصرية بتهديده بمحو حوارة، ليس تصريحا معزولا، بل هو نهج يؤكد ان سياسة التطهير العرقي التي مارستها إسرائيل بشكل بشع خلال حرب عام 1948 لا تزال هدفا تواصل هذه الدولة تنفيذه مهما حاولت التخفيف من وقع هذه التصريحات. قد يكون ما قامت به هذه الحكومة هو سيناريو لجس النبض، لتختبر ردات الفعل الفلسطينية والاقليمية والدولية، وهو أمر يستدعي ان تبقى كل هذه الأطراف في حالة استنفار، وان يتواصل الضغط الدولي على هذه الحكومة، خصوصا من دول الإتحاد الأوروبي، هذا الاتحاد الذي يشترط للانضمام اليه ان تلغي الدول عقوبة الاعدام، وحكومة إسرائيل تسير بعكس هذا التيار الدولي المناهض لهذه العقوبة.

وما على العالم ان يراه ويتوقف عنده أن إسرائيل تنفذ اعدامات ميدانية، وتقوم بعملية تصفية جسدية للشباب الفلسطيني، وهي ظاهرة آخذة بالإزدياد، فخلال العام الماضي قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإغتيال اكثر من 220 مواطنا فلسطينيا من بينهم اطفال. القانون المشار اليه يستهدف الأسرى بأثر رجعي، ويخضع للمزاج السياسي، وقد يستخدم لتلبية حاجات إسرائيلية داخلية شعبوية، وخلال الحملات الانتخابية، يتم سفك دم الأسرى بهدف ترجيح كفة طرف على آخر وهذا هو الخطير بالأمر.

ان المجتمع الإسرائيلي اليوم هو أمام إختبار في كل ما يتعلق بالديمقراطية، والمجتمع الدولي هو الآخر امام اختبار، فإما ان يكون حازما في وجه هذه الحكومة الفاشية أو ان الحريق سيصل الى عقر دارهم. ومن خبرة وتجارب التاريخ فإنه لا حلول وسط مع الفاشية، ولعل اليهود هم من يجب ان يكونوا أكثر حذرا من الفاشية التي تعشش داخل بيتهم، فالسكوت بل والقبول بفكرة الاحتلال وجرائم هذا الاحتلال ومستوطنيه بحق الفلسطينيين كان لا بد ان يحرق إسرائيل من الداخل في يوم ما، وها نحن نعيش هذه اللحظة.