المشاريع الصغيرة وضرورة البحث عن مقاربة جديدة
أخبار البلد - في أحد معارض المنتجات المحلية التي يشترك فيها صغار المشتغلين في الحرف وأصحاب المشاريع المنزلية عادةً، يمكن الحديث عن تطورين مهمين ويدفعان إلى بعض التفاؤل، يتمثل الأول، في وجود مشروعات نوعية، وخاصة في مجال الزراعة، فأحد المشاريع المشاركة كان يقوم بالعمل على إنتاج بذور جاهزة لنباتات عطرية أردنية يمكن أن تنمو بمجرد إلقائها في الأرض.
من يقبلون على المشروع هم من الأجانب الذين يقومون برحلات السير في المملكة، ويعتبرون ما يقومون به من المسؤولية تجاه البيئة والتنوع الحيوي، مع أن منتجاته يجب أن تعمم بصورة كبيرة في حواكير الأردنيين التي ما زالت تشكل جزءاً مهماً من المنازل، وخاصة في قرى الأردن، كما أن مشروعات التعامل مع النباتات العطرية، والنباتات التي تدخل بوصفها توابل أو منكهات للطعام، يمكن أن تمثل عملاً تعاونياً في حال وجود السوق المناسب.
هذه المشكلة ترتبط بفكرة الدخول إلى الأسواق وهي نقطة المعاناة الرئيسية بالنسبة لصغار المنتجين، فتوفير التمويل الذي كان يمثل هاجساً قبل عقدين من الزمن لم يعد بعد اليوم سؤالاً جوهرياً لوجود المؤسسات التمويلية المتخصصة، والدخول إلى الأسواق يتطلب عدة بنى فكرية جديدة، ومنها الاقتصاد التعاوني، حيث يمكن لمنتجي الألبان تزويد المصانع المختلفة من خلال تجميعها في حال امتلاك أصول النقل المشتركة بين المنتجين، ووجود القوانين التي تشجع على منتجات الألبان من مصادر طبيعية مقابل الأخرى القادمة من اللبن المجفف، وهذه مسؤولية الهندسة الضريبية المطلوبة من أجل التنمية.
كثير من منتجي الأطراف يبيعون سلعهم بهامش ربح منخفض، وهو الأمر الذي يعيق نمو المشروع، والسبب الرئيسي هو عدم قدرتهم للوصول إلى أسواق لها القوة الشرائية المناسبة، وذلك الأسباب فنية وأخرى مالية بحتة، وفي هذه الحالة تأتي ضرورة وجود منافذ التسويق سواء من خلال المعارض المؤقتة أو الدائمة، ووجود التنسيق اللازم، ويعود الأمر إلى تفعيل دور التعاونيات من خلال التدريب والتأهيل الفني، ومن خلال الحوافز اللازمة في السياسات العامة.
التطور الثاني، هو لجوء بعض أصحاب المشاريع إلى بناء شخصية بصرية لمشروعاتهم تشتمل على علامة تجارية والعناية بالتغليف، ومعظمها تصاميم جيدة في الحد الأدنى، وبعضها مبدع، وذلك لا يتوقف عند الحرص على المظهر، وأثره على المشترين المحتملين، ولكنه يؤكد على وجود قناعة بأن المشروع يمتلك شخصية مستقلة عن صاحبه، وهذه قفزة في الثقافة المالية والإدارية بشكل عام، إلا أنها يجب أن تقابل بتسهيل الإجراءات الخاصة بالتسجيل، مع التحفيز الذي يمكن من تجاوز المخاوف التقليدية التي يحملها صغار المنتجين والتي لا تفترق عن رؤية الرسوم والضرائب بوصفها عملية جبائية لا تحمل بعداً تنموياً ينظر إلى مكاسب بعيدة في اقتصاد إنتاجي أكثر قوة واستدامة.
المشاريع الصغيرة تتطور وتوجد تحولات ثقافية تترجم نفسها عملياً في السلوك الإداري لأصحابها، ويبدو أنها تحقق اختراقاً مهماً تجاه مغادرة مربع الحرف التراثية والدخول في قطاعات غير تقليدية، وهو ما يجعل حضور قضايا الوصول إلى السوق وتعزيز الأداء الإداري والمالي لدى صناع السياسات العامة ضمن استراتيجية محدثة تستطيع أن تستوعب وتعكس جميع التطورات الجارية في عصر مراجعات ما بعد وباء الكورونا والذكاء الاصطناعي والواقع المناخي القادم.