ضغوط داخلية وتحديات خارجية تربك الحكومة الإسرائيلية

أخبار البلد - تواجه الحكومة الإسرائيلية بعد ثمانية أسابيع على توليها مقاليد السلطة تحديات داخلية وخارجية تربك عملها وتهدد بتفكك تماسكها، إذ يواجه الائتلاف اليميني الحاكم مظاهرات متصاعدة بسبب خططه للإصلاح القضائي المثيرة للجدل، وضغوطا خارجية لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية وسط تحذيرات دولية وإسرائيلية من انتفاضة فلسطينية تزعزع الاستقرار الإقليمي الهش.

وألقت الشرطة الإسرائيلية قنابل صوت ووقعت مواجهات في تل أبيب الأربعاء خلال مظاهرات تعرف باسم "يوم الاضطراب”، وهو ما زاد من حدة الاحتجاجات المستمرة منذ أسابيع على خطة حكومية مثيرة للجدل لإصلاح السلطة القضائية.

وفي مشاهد لم تعتدها مظاهرات تل أبيب منذ سنوات، حاول أفراد شرطة يمتطون الخيول منع المحتجين من تخطي الحواجز بينما تكدست حركة المرور في الشوارع.

وأظهرت لقطات فيديو حية الشرطة وهي تدفع محتجين بعيدا عن الطريق بينما كانوا يهتفون قائلين "عار” و”نحن الأغلبية ونحن في الشوارع”.

وظهر أحد المتظاهرين في تل أبيب، والذي أصابته على ما يبدو إحدى عبوات القنابل، وهو جاثم على الأرض وممسكا برأسه، بينما كان العلم الإسرائيلي ملقى بجانبه على الطريق بجوار بركة من الدماء.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي واصل ائتلافه الحاكم المؤلف من أحزاب قومية ودينية الأربعاء جهوده نحو تمرير التعديلات القانونية "لن نقبل العنف ضد الشرطة أو قطع الطرقات أو خرق القانون. الحق في التظاهر ليس حقا في الفوضى”.

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير إن بعض المتظاهرين ألقوا حجارة، مضيفا أن الشرطة ستستخدم كل السبل المتاحة لمنع "المخربين” من القيام بأعمال شغب وقطع الطرقات.

وتتضمن خطة إصلاح السلطة القضائية منح نواب البرلمان المنتمين للائتلاف الحاكم نفوذا صريحا في اختيار القضاة، ويحد من صلاحيات المحكمة العليا لإبطال القوانين أو إصدار أحكام ضد السلطة التنفيذية.

ووافقت لجنة الدستور والعدالة والقانون في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الأربعاء بصورة مبدئية على المزيد من المقترحات المتضمنة في خطة إصلاح القضاء. وقاطع نواب المعارضة هذا التصويت وقالوا إن إسرائيل لن تصبح دولة ديمقراطية إذا مضت قدما في تنفيذ هذه الخطة.

ولم تٌصغ الخطة بعد في شكل قانون لكنها أثرت بالفعل على العملة الإسرائيلية وأثارت قلق بعض الحلفاء الغربيين بشأن سلامة الحياة الديمقراطية في إسرائيل.

وقال السفير الأميركي في إسرائيل توم نيديس في مؤتمر لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب الثلاثاء "أبطئوا الخطى قليلا، وحدوا الناس معا، وحاولوا بناء بعض التوافق في الآراء”.

ويقول نتنياهو، الذي يٌحاكم بتهم فساد ينفيها، إن التغييرات ستعيد التوازن بين فروع السلطة وستعزز الأعمال. وقال اقتصاديون وخبراء قانونيون إنها ستعزل إسرائيل وتلحق الخراب باقتصادها.

وأظهرت استطلاعات للرأي أن الخطة لا تحظى بشعبية لدى معظم الإسرائيليين الذين يفضلون التوصل إلى حل وسط.

ويحاول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الدفع باتجاه التوصل إلى حل وسط وحذر من أن البلد أصبح على شفا "انهيار دستوري واجتماعي”.

والتحدي الأهم الماثل أمام نتنياهو الآن هو الحفاظ على توازن وقوة الحكومة في الممارسة، والسماح للشركاء بالوفاء بالوعود الانتخابية التي تظهر في اتفاقيات الائتلاف. ومن جهة أخرى، الحفاظ على الدولة وعدم السماح بأن تصبح الحكومة ساحة للمعارك الأيديولوجية وتجنب الإجراءات الشعبوية، كل ذلك من أجل الهدف السياسي الأعلى وهو ضمان استمرار الحكومة لأطول فترة ممكنة.

ويجد نتنياهو صعوبة في إدارة التوازن بين خطط حلفائه من اليمين القومي والديني المتطرف وبين معارضة شرسة تعهدت بالدفاع عن الديمقراطية "إلى أخر رمق”.

وخارجيا، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطا دولية وإقليمية لوقف التصعيد وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية لكنه يبدو مكبلا أيضا بتوافقات مع الأحزاب اليمينية المشكلة لائتلافه الحكومي، إذ يقول مراقبون إنه غير قادر على كبح أجنداتهم المتطرفة تجاه الفلسطينيين.

وأوعز بن غفير مؤخرا بتسريع إجراءات حصول الإسرائيليين على تصاريح لحمل السلاح.

وبحسب توجيه بن غفير، ستتم زيادة إصدار تراخيص الأسلحة الشخصية من حوالي ألفين إلى 10 آلاف تصريح شهريا.

وأفادت القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي بأن الهدف هو "توفير استجابة في حالة وقوع حادث أمني والإسهام في تعزيز الشعور بالأمن الشخصي”.

والغرض هو توفير استجابة فورية لحوالي 9 آلاف مستوطن ينتظرون الحصول على تصريح لحمل الأسلحة.

ويتخوف الفلسطينيون من تشكيل ميليشيات إسرائيلية مسلحة في الضفة الغربية، في وقت يتعرضون فيه لعنف متزايد من المستوطنين.

وخلال عام 2022 نفذ مستوطنون إسرائيليون 849 اعتداء بحق فلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، وقعت في 228 منها إصابات وفي 621 حدثت أضرار في الممتلكات، وفق معطيات للأمم المتحدة.

ويتوزع نحو 666 ألف مستوطن في 145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بحسب بيانات لحركة "السلام الآن” الحقوقية الإسرائيلية.

ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الأربعاء إلى تشكيل لجان حماية شعبية في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية للتصدي لهجمات المستوطنين الإسرائيليين.

وقال اشتية إنه "حان الوقت للتصدي عبر المقاومة الشعبية لبطش المستوطنين، والضرورة ملحة للجان حماية في القرى والمدن والمخيمات”.

وشهدت بلدة حوارة قبل ثلاثة أيام سلسلة واسعة من الهجمات شنها مستوطنون وشملت قتل فلسطيني وحرق عشرات من المنازل والمركبات والممتلكات، وجاءت الهجمات بعد مقتل مستوطنين إسرائيليين في عملية إطلاق نار نفذها مسلح فلسطيني قرب حاجز عسكري في نابلس.

وحذر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.أي) ويليام بيرنز بعد زيارته إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية الشهر الماضي، من أن الوضع الهش في المنطقة والعنف المتصاعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد يؤديان إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.

وقال المسؤول الأمني الكبير في تصريحات نشرتها كلية جورج تاون الأميركية على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي "كنت دبلوماسيا أميركيا كبيرا قبل 20 عاما أثناء الانتفاضة الثانية، وأشعر، مثل زملائي في مجتمع الاستخبارات، بالقلق من أن الكثير مما نراه اليوم له تشابه غير سعيد للغاية مع بعض ما رأيناه في ذلك الوقت أيضا”.

وأشار إلى أن "هذا سيكون تحديا كبيرا، وأنا قلق بشأن أبعاد هذه التطورات في الشرق الأوسط أيضا”.