الأبناء المتفوقون يصنعون السعادة

أخبار البلد - أبدأ لأعترف أن أيام الاسبوع الحالي لم تكن عادية بمعناها المألوف، كنت محلقا فوق قطرات الندى بمنطاد السعادة التي تعزف لحن الأمل بأعذب تجلياتها، والقلب يخفق سيمفونية المحبة التي بلسمت الشكوى والقلق، فبين رسائل التهنئة بكافة أشكالها ومعانيها التي وصلتني خلال بحر الأسبوع الحالي هناك معانٍ مائية كعلامات أمنية يمكن قراءتها بين الأسطر وتشكيلها من الأحرف وعلامات الترقيم منعا للتزوير أو الإستغلال أو المنافقة، ومناسبة الحدث حصول ابني موسى على العلامة الكاملة، والمركز الأول على مستوى الوطن والعالم بمادة الرياضيات بامت?انات شهادة الدراسة البريطانية، حيث فاز بجائزة جلالة الملكة رانيا العبدالله للعام الدراسي 2023 في الاحتفال السنوي لتكريم الطلبة المتفوقين، ومشاركة الأهل والأصدقاء والأحبة، احتفال سنوي له من المعاني العظيمة التي لا يمكن حصرها، جعلت للمناسبة حدثا وطنيا عائليا، واستعرضت عبر نافذة الأفكار وملفات الحفظ سلسلة مقالاتي الاسبوعية للفترة الأخيرة في هذه الزاوية الأسبوعية من جريدة الرأي الغراء، لأجد أنني قد ركزت وتعمقت بحرص لإضفاء لمسات على دستور عائلي ومدرسي ومجتمعي للإهتمام برعاية الأبناء بهدف بناء جيل المستقبل الذي ?يحمل راية هذا الوطن القوي، ليبقى المستقر شعارا وواقعا، خصوصا للطلبة أصحاب الطموح لتسهيل مهمة ترجمة عبقرياتهم التي تحتاج للرعاية والحرص والتعاون؛ الطالب ذكي بفطرته وبحاجة للتوجيه، الأهل ملزمون ربانيا وعائليا بتوفير رعاية لقطف ثمار أبنائهم، والمدرسة صاحبة الولاية بقيادة الشراع، لتكون النتيجة نجاح وتميز وتكريم.

لست أنانيا لأدعي أن رسائلي كانت خاصة جدا أو وسيلة تسويقية، بل هي رسالة لكل طالب مجتهد، لكل عائلة تستثمر بأبنائها وليس لهم، لكل مدرسة رفعت شعار العلم لطلبتها وتبنت تهذيب قدراتهم، لتجعلهم ذات شأن، أكتب عن كل طالب مجتهد ولكل طالب مجتهد، لأخبرهم أن المستقبل ينتظر منهم الكثير، أكتب للوطن رسالة اطمئنان بلبناته التي تستحق الرعاية، أكتب للذين يرددون شعارات الخوف على مسامع هذا الجيل بضرورة الحذر وعدم التمادي، أكتب لأقول أن الأنانية لن تصنع سعادة دائمة بل شرخا يرهق صاحبه ويؤرقه، أكتب لأطالب المسؤولين عن التوقف بسلسل? التغيرات على مناهج الدراسة والإمتحانات التي تدخل الطلبة بدوامة الخوف وتستنزف جزءا من تركيزهم، أكتب لأقول أن جامعات الوطن قادرة على استيعاب الجميع بالكليات المستحقة، و لا مبرر للإصغاء لفئة السياسيين الذين يجعلون من ذاتهم أدعياء حرص وطني وهم الأبعد عن حدود الشأن العام يفعلون بالخفاء بعكس ما يصدحون بالعلن.

الطالب المجتهد الذي يترجم جهود الأهل والمدرسة بتفوقه، هو نعمة ربانية، تولد اساسياتها مع الصرخة الأولى، وتترجم عبر المسيره الحياتية بدرجات، لتجعل المهمة أصعب بالمحافظة عليها؛ مهمة مقدسة يعرف قيمتها (وأدعي ذلك) من أدمن على الظفر بنكهاتها عبر مسيرته الذاتية ومسيرتة أبنائه، خصوصا عندما يبرهن هذا الاجتهاد بالامتحانات الخارجية التي شكلت مفصلا مهما ومؤشرا لبوصلة التفوق؛ حسمت هاجس الخوف وبعثت برسالة اطمئنان قلبية على المستقبل الذي يتنظر الكثير بمقومات متوفرة ضمن خطة حياتية مُحكمة تُنفذ خطواتها بالتوقيت العمري المن?سب، ايمانا ان الطلاب المتفوقون ثروةٌ وطنيةٌ غاليةٌ يجبُ أن تحاطَ بكلِ مقومات الرعايةِ والعناية، حصاد جهود مشتركة لعام انصرم وانقضى في الدراسة والعلم والتحصيل، وهو يؤمن بمقولة دستورية: لا تنتظر كرماً حين تكون بخيلاً، ولا لطفاً حين تكون وقحاً، ولا صدقاً حين تكون منافقاً، ولا تنتظر ما ليس فيك، فكلما أعطيت بلا مقابل، كلما رُزقت بلا توقع، وعمل الخير بصوت هادىء، يجعل العمل يتحدث غدا بصوت مرتفع. لقد سكنت مرافق الحرمان والتضحية برفقة زوجتي لأجلهم لنجعلهم ذات شأن.

تكريم الطالب المتفوق فيه عبر ودلالات تتعدى حدود المناسبة وظروفها، فيه من الأشياء الأساسية التي تتسبب في تطوير مستواه العلمي، وهذا التكريم قد يكون سببًا في دفع غيره من الطُلاب نحو المزيد من التطور والنجاح، ليساهم ببناء جيل يعيش عصر التقدم والمنافسة والتطور غير المحدد، يمنع بعضويته الاتكالي والراقد على قاموس الصدفة والفرصة، فالتفوق والنجاح توأمان، يسعى لهما الطلاب في المدرسة بأي مرحلة عمرية بالرغم من اختلاف الفرص، لأوضح القول بأن الدراسة لا تعني الحفظ فقط بل يتوجب على الجميع الدراسة من أجل العلم، فبالعلم وحد? يمكن للإنسان أن يطور الذات ويبني الأمة ويتقدم بها، بهدف تجسيد انبثاق معالم الداخل وتفجير معالمها لواقعنا الدقيق، ليبدا التغيير بفكرة موروثة نعاني من ارتداداتها بمسميات مختلفة، حيث يرى الكثير من الطلاب أن الدولة هي المسؤولة عن عملهم بدون علم وأن السماء سوف تمطر عليهم الذهب والفضة بدون جُهد، وهذا الأمر غير صحيح، لأنه دستور الكسالى الذين ستصهرهم الأيام، حتى لو ارتقى البعض بدرجات ندرك جميعا أسسها، فالتفوق ليس حصريا بفئة عن غيرها، بل لفئة وجدت بظروفها مناسبة لترجمة أمانيها، تتغذى على حب المعرفة والبحث، وتتجرد ?ن آفة التوريث والتمترس خلف جدران تنهار ببركان الحقيقة.

كل الشكر لإبني موسى الصغير وأقرانه من الذين صنعوا السعادة لنا كأهل ومدرسة، كانت البرهان أن الجهود التي صرفت برعايتهم، كانت استثمارا حقيقيا، فالرصيد المادي في البنوك للورثة على حساب الحاضر هو ضرب من ضروب الغفلة؛ الأبناء الذين يصنعون السعادة، يستحقون التصفيق وهم القدوة والقادة بقدراتهم، الثمرة الناضجة التي اراوت برذاذ العيون والأيام هي الحكم. تكريمك يا ولدي منحني جرعة سعادة كنت بأمس الحاجة اليها وللحديث بقية.