لست صوتا صارخا في البرّيّة

أخبار البلد - سألني شابّ عربيّ معاتبا: كيف تريدني ان أشارك في مظاهرة وأقف في ميدان في تل ابيب وأسير في شوارع من شوارع المدن الكبرى بين آلاف بل عشرات الآلاف من المواطنين اليهود الذين يحملون الأعلام الإسرائيليّة ويلوّحون بها في الفضاء؟!


وقال لي طالب عربيّ جامعيّ يدرس في جامعة تل ابيب الرّابضة على أراضي الشّيخ مونّس: لا استطيع ان اسير مع عشرات الآلاف من النّاس في شارع كبلان في تل ابيب وهم يهتفون وينادون بأن تبقى إسرائيل دولة يهوديّة. هذا الهتاف ينفي وجودي في وطني ويتنكّر لحقّي به وأشمّ منه رائحة التّرانسفير القذرة!

وهاتفني صديق فحماويّ قائلا: هؤلاء المواطنون اليهود يتظاهرون لأنّهم يرون في خطّة حكومة اليمين الفاشيّ خطرا كبيرا على الدّيمقراطيّة بل تقود الى الدّكتاتوريّة واعتقد أنّهم على حقّ، ولكنّ هذه الدّيمقراطيّة هي من نصيب اليهود وأمّا أنا فلا أكاد أشعر بها. إسرائيل تُعرّف نفسها بأنّها دولة يهوديّة ديمقراطيّة والحقيقة هي ديمقراطيّة لليهود ويهوديّة للعرب فهل يُعقل ان يتظاهر فحماويّ أو نصراويّ أو شفاعمريّ من أجل ديمقراطيّة وهميّة؟ أين كان هؤلاء النّاس حينما سنّ الكنيست قانون القوميّة العنصريّ؟ ألم يؤيّد لبيد وغانتس وساعر وليبرمان قانون القوميّة؟ لماذا لم يقفوا معنا ضد قانون كامينتس؟ هل نحن عجلة خامسة من عجلات السّيّارة؟

وقال لي البقّال فيما كان يساعدني في ترتيب حاجاتي: كان هؤلاء المتظاهرون صمّا بكما وهم يشاهدون المستوطنين يعتدون على أبناء شعبنا في الضّفّة الغربيّة ويقلعون كرومهم ويبيدون مزروعاتهم وينهبون أراضيهم فيما جنود الاحتلال يراقبون ذلك فقط.

وأمّا الشّاب الذي فحص لي عجلات سيّارتي فقال: نحن مواطنون من الدّرجة الثّالثة ونشعر بالتّمييز في كلّ مكان والشّرطة تتعامل معنا كأعداء للدولة، وقضاة المحاكم يفرضون أحكاما جائرة على المواطن العربيّ بينما يتعاملون بأًصابع من حرير مع المواطن اليهوديّ، هذه المحاكم ليست عادلة ولن أتظاهر من أجلها. بطّيخ يكسّر بعضه.

أقدّر صدق ووجع هؤلاء النّاس الطّيّبين وأحترم آراءهم وأرجو أن يقرأوا ويسمعوا رأيي أيضا.

أوّلا: نحن "نتمتّع" بفتات الدّيمقراطيّة إلاّ أنّ هذا النّزر اليسير او الفتات من الدّيمقراطيّة افضل مئات المرّات من الدّيكتاتوريّة التي ستفرضها القوانين الجديدة.

ثانيّا: نحن العرب سنكون الضّحيّة الأولى لهذا الانقلاب السّلطويّ لأننا الفئة الضّعيفة في هذه الدّولة.

ثالثا: اذا نفّذت الحكومة تخطيطها في أجهزة القضاء فهذا يعني أنّ القاضي في أيّة محكمة سيأخذ تعليماته من الذي عيّنه قاضيّا أي من الحاكم ومن السّياسيّ ومن القائد الحزبيّ ومن الشّرطيّ ومن رجل المخابرات وعندئذ سنكون الضّحيّة الأولى والكبرى.

رابعا: إنّ جبن قادة الأحزاب الصّهيونيّة المعارضة وخوفهم من اليمين جعلهم يفضّلون عدم مشاركة العرب في المظاهرات ونحن ندرك أن لا نجاح لنضالنا من أجل السّلام والمساواة سوى بالعمل العربيّ اليهوديّ المشترك وهذا التّعاون يقلق قادة هذه الأحزاب.

خامسا: علينا أن نؤكّد أنّ صعود اليمين الفاشيّ في البلاد هو نتيجة حتميّة للاحتلال والاستيطان ولا يمكن أن تكون دولة ديمقراطيّة وهي تحتلّ شعبا آخر.

سادسا: أخشى ان يكون الحلّ الذي يسعى إليه رئيس الدّولة على حساب الأقليّة العربيّة وعندئذ سيُقال لنا: أين كنتم؟

وأخيرا لا بدّ لي أن أسأل مجموعات وفئات أحترمها وأقدّرها: أين دور المحامين العرب؟ وأين دور الأكّاديميّين العرب؟ وأين دور الأطبّاء العرب؟ وأين دور المهندسين وعمّال الهايتك العرب؟ وأين دور القضاة المتقاعدين العرب؟ أين وأين وأين؟

أعتقد أنّ صوتي لن يكون صوتا صارخا في البرّيّة.