عن مؤتمر «ميونيخ للأمن»: ساعة الحوار «لم تأتِ بعد»؟!
أخبار البلد - في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي يُنهي جلسات دورته الـ«59» اليوم, علَت الاصوات الداعية الى مواصلة تقديم المزيد من السلاح والعتاد والأموال الى أوكرانيا, وتقدّم الصفوف الرئيس الفرنسي/ماكرون كما المستشار الألماني/شولتز ونائبة الرئيس الأميركي/كمالا هاريس ووزير الخارجية بلينكن, كما دعوا الى مواصلة الحرب «لأن ساعة الحوار لم تأتِ بعد». على نحو يتوجب الآن وقبل كل شيء يُمكِّن الأوكرانيين بِشنّ هجوم مضاد, سيُتيح وحده مفاوضات ذات صدقية بشروط تختارها أوكرانيا وسلطتها وشعبها», على ما قال في حماسة لافتة الرئيس الفرنسي/ماكرون, مُضيفاً «على الهجوم الروسي أن يفشل». ولم تختلف نبرة ومضامين كلمة المستشار الألماني/شولتز عن الكلمة الطويلة التي ألقاها ماكرون إلاّ في بعض التفصيلات الثانوية، بل التقى الإثنان على ضرورة وأهمية رفع الموازنة العسكرية إلى أرقام فلكية (الفرنسي وعدَ بأن تصبح 400 مليار يورو في العام 2024) وشولتز كما هو معروف رفع الموازنة العسكرية العام الماضي إلى مئة مليار يورو, مع رفع النسبة من1.5% الى 2% من الناتج المحلي الإجمالي).
وإذ تنعقد الدورة الحالية لِأشهر وأقدم مؤتمر للأمن في العالم (انطلق عام 1962) في غياب «الطرف الثاني» المعني مباشرة بالحرب الأوكرانية وهو روسيا, حيث لم تُوجّه إدارة المؤتمر دعوة لموسكو بذريعة «عدم منحهم منبراً لترويج البروباغندا الروسية» بحسب رئيس المؤتمر هوكيغسن (علماً أنه تم توجيه دعوة لوزير الخارجية الروسي/لافروف في دورة المؤتمر العام الماضي لكنه لم يَحضر), فإن روسيا تبدو حاضرة ومؤثرة حتى في غيابها رغم الحملات التي تشن عليها من قبل الحضور, الذين هم في غالبيّتهم حلفاء الولايات المتحدة مثل الناتو والاتحاد الأوروبي أضف لهم بريطانيا واليابان واستراليا.
تتردّد أيضاً أصداء كلمة الرئيس بوتين الشهيرة والمدوية والغاضبة أيضاً, في مؤتمر ميونيخ (نسخة عام 2007), عندما قال في كلمة شكّلت «صدمة» للأوساط الغربية وخصوصاً الأميركية, منتقداً بشدة السياسة الأميركية الخارجية وفكرة النظام العالمي أحادي القطب «حيث لا أحد يَشعر بالأمان في عالم أحادي القطب» كما قال حرفياً. مُعارضاً في الوقت نفسه «توسيع حلف الناتو ونشر منظومات الدفاع الصاروخي الأميركية في دول أوروبا الشرقية». ولم ينسَ بوتين بالطبع تذكير المعسكر الغربي بوجهة نظره في انهيار الاتحاد السوفياتي, معتبراً أنه «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين», ما أيقظ مخاوف الغرب أو قل ما دفع التحالف الأنغلوساكسوني خصوصاً, إلى استثمار هذه المقولة عبر اتهام بوتين بأنه يسعى الى «إستعادة» أو إحياء الإمبراطورية السوفياتية.
تجاهل الرئيس الفرنسي كما المستشار الألماني عن قصد الدور الذي لعبته كل من برلين وباريس, في إفشال بل التآمر على اتفاقية/ مينسك، خاصّة أنهما كانتا ضامنتان تنفيذها في رباعية النورماندي في مثل هذه الأيام من العام 2015 (11 شباط 2015), كما تبنّاهما لاحقاً مجلس الأمن الدولي/17 يوم من الشهر نفسه. وهو ما اعترفت به المستشارة الألمانية ميركل ولاحقاً نظيرها الفرنسي/هولاند في العام الماضي. بالقول إن الإتفاقية «كانت مجرد فرصة لتمكين أوكرانيا من تسليح نفسها, وإعداد جيشها لاستعادة شبه جزيرة القرم وأراضي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك, ما أوصل الأمور إلى نقطة اللاعودة بالنسبة إلى روسيا, خاصة بعدما رفضت الولايات المتحدة وحلف الناتو تقديم ضمانات أمنية لروسيا قبل اندلاع الأزمة عسكريّاً في 24 شباط 2022.
في الخلاصة لن تترك الدورة الحالية لمؤتمر ميونخ للأمن أصداء واسعة أو مؤثرة في المشهد الدولي المُحتقن والمأزوم. كون المعسكر الغربي خطبَ وناقشَ واستمعَ لنفسه, ولم يترك مجالاً أو فرصة لسماع الرأي الآخر (الروسي خصوصاً), دع عنك «المُحايد» ولنقل هنا أنه الصين التي تمثّلت بوفد رفيع يرأسه وزير الخارجية السابق وانغ يي/ مدير مكتب العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي, كان حضوره مؤتمر ميونخ في إطار جولة أوروبية واسعة, شملت فرنسا وإيطاليا والمجر وألمانيا وستكون روسيا محطته الأخيرة. حيث تدعو بيجين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا بهدف «إجراء حوار شامل ومُتعمِّق, على أساس مبادئ عدم قابلية الأمن للتجزئة ومناقشة بناء هيكل أمنِيّ متوازن, فعّال ومستدام». ما يفرض انتظار الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الروسي يوم 21 الجاري, وأيضاً كلمة الرئيس الأميركي بايدن في اليوم التالي 22 شباط.. من العاصمة البولندية «وارسو».. هذه المرّة.