فسر ما ترى إن استطعت..!

أخبار البلد - حالة مرضية كشف عنها طب النفس حديثاً، تصيب قلة من سكان العالم، تتمثل في عدم قدرة هؤلاء على تمييز الكائنات رغم أنهم يرونها.

أحد المصابين بهذا المرض لا يستطيع تمييز الحيوانات، فالجمل يسميه "كنغرا" أو وحيد القرن، والقرد غزالا، أما الفهد فهو حيوان يظنه إذا رآه أرنبا.
والغريب، وفق برنامج وثائقي صور هذا المريض ، أنه لا يميز الخضراوات أيضا، فالموز اسمه بندورة والبطاطا جوز هند، وهكذا دواليك..
ورغم تسمية مدرب الزرافات لها أمامه، إلا أن هذا المريض لم يستطع ذكر اسمها بعد مرور خمس دقائق. والأنكى من ذلك أنه لا يتعرف على السياسيين والشخصيات البارزة في مجتمعه، بل لا يتعرف حتى على أولاده، فابنته سارت مرارا وتكرارا أمامه وهو جالس في حديقة دون أن يتعرف عليها.
مشكلة هذا الرجل ومن هم مثله من المصابين بهذا المرض النادر أن أحداثا أثرت على منطقة في عقولهم مسؤولة عن قراءة الصور التي نراها وتفسيرها، هو يراها لأن بصره جيد، لكنه عاجز عن التعرف على اسمها وماهيتها، كونه لم يعد يملك أصلا معلومات مخزنة "داتا" عنها.
أخطأ معدو البرنامج في كون المرض نادر جداً، لأن واقع الحال يقول غير ذلك، فهل يمكنك عزيزي المواطن، بعدما اختلط الحابل بالنابل في حياتنا أن تؤشر مثلاً على الشخص "الوطني" من المارق والمتكسب، وهل لك أن تؤشر على المسؤول النظيف من مسؤول يقف على النقيض منه، وهل بمقدورك تبين السياسي الذي ينطلق من منطلقات وثوابت من ذلك الذي دأبه القفز على الحبال.
بل هل بات بمقدورك أن تميز الخائن من المناضل، والشريف من الوضيع، والصادق من الكاذب، والتافه والرويبضة من المبدع، وتسميه باسمه الذي يستحق.
ومن ذلك، هل يمكنك عزيزي المواطن أن تفسر سبب ارتفاع هذه السلعة أو تلك، أو سر التفكير بتعديل قانون ليبقى على حاله إنما بتنويعات أخرى، أو أين آلت القيم التي تربينا عليها لتستبدل، بطرفة عين، بمفاهيم مستمدة من قانون "الغاب" ووسائل التواصل الاجتماعي.
نحن جميعا نرى، لكننا لا نميز ما نراه، ليس لقصور في أدمغتنا ونفوسنا كما هو حال المريض، وإنما لأن الأشياء باتت تتغير وتتلون أسرع بكثير من قدرة أجهزتنا البصرية والعقلية على متابعتها، ولأننا لا نملك "داتا" عن وسائل الفهلوة والشطارة والتسلق والقفز على ظهور البسطاء والفقراء والمحرومين.
أخطر ما في هذا المرض أن المصاب به قد يضع رأسه في فم الأسد وهو يظنه أرنباً، أو يركب جديا ويظن نفسه فارسا يمتطي صهوة أكثر الخيول جموحا وصهيلا، ويحارب طواحين الهواء كـ"دون كيشوت"، ويصيب نجاحا أيضاً.