اتهم بـ”الخيانة” وتحالف مع بوش وأطاحت به مذبحة مسجد.. قصة الجنرال الذي حكم باكستان 10 أعوام

اخبار البلد - "أنا بطل القنبلة النووية وأنقذت بلادي من تدمير كان سيعيدها للعصر الحجري".. كانت هذه رواية الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف عن نفسه، بينما يراه خصومه مدمر الديمقراطية، والرجل الذي اقتحم المساجد وسمح لأمريكا بانتهاك سيادة البلاد، فما هي قصة حياة الجنرال الذي اتُّهم بالخيانة العظمى ونجا من 3 محاولات اغتيال، وكان أبرز حليف لجورج بوش في "الحرب على الإرهاب"؟

وأعلن الجيش الباكستاني والسفارة الباكستانية في الإمارات، اليوم الأحد 5 فبراير/شباط 2022، وفاة برويز مشرف، الرئيس السابق الذي أجبرته المعارضة على التنحي عن السلطة عام 2008، عن 79 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، في مستشفى بدبي، بعد سنوات قضاها في المنفى الاختياري.

وقدم رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف (الذي انقلب مشرف على شقيقه نواز شريف عندما كان رئيساً للوزراء) والرئيس عارف علوي وقادة الجيش والبحرية والقوات الجوية تعازيهم في وفاة مشرف.

وأفادت قناة جيو نيوز التلفزيونية الباكستانية بأن طائرة ستتوجه في رحلة خاصة إلى دبي غداً الإثنين، لإعادة جثمان مشرف إلى باكستان لدفنه.

ورغم وصفه بالديكتاتور العسكري، أدخل مشرف بعض الإصلاحات الرئيسية للبلاد، لتدعيم الديمقراطية، منها إنهاء الانتخابات المنفصلة للأقليات الدينية في الانتخابات وزيادة عدد مقاعد المرأة في البرلمان، كما سمح للقنوات التلفزيونية الخاصة بالعمل في البلاد.

كما أشرف الجنرال السابق، الذي استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1999، على النمو الاقتصادي السريع للبلاد، وحاول نشر القيم الليبرالية الاجتماعية في البلد الإسلامي المحافظ.

لكن استخدامه الغاشم للجيش لقمع المعارضة وكذلك دعمه المستمر للولايات المتحدة في قتالها ضد القاعدة وطالبان الأفغانية أدى في النهاية إلى سقوطه.

فكونه حليفاً لواشنطن، فقد تعرض مشرف أيضاً لانتقادات بسبب زيادة النفوذ الأمريكي في باكستان، ولا سيما بعد مئات الضربات بطائرات مسيرة على الحزام القبلي الشمالي الغربي بالقرب من الحدود الأفغانية، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين.

وسلك الجنرال بوفيز مشرف طريقاً مليئاً بالمتناقضات، وحكم بلداً مركباً تجتاحه الأزمات وتحيط به الحروب، ويعاني من الانقلابات والفقر، ولكنه أيضاً لديه حياة سياسية ثرية وأسلحة نووية، وتقنيات عسكرية لا تمتلكها دول أغنى منه.

أشرف على القنبلة النووية الباكستانية وكان العقل المدبر لحرب كارجيل التي نجحت عسكرياً وفشلت سياسياً
ولد برويز مشرّف في دلهي بالهند يوم11 أغسطس/آب 1943، لأبوين ناطقين باللغة الأردية، هاجرا إلى باكستان بعد تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، في أعقاب الانسحاب البريطاني من البلاد.

وانضم مشرف إلى الجيش الباكستاني وترقى فيه حتى أصبح رئيساً لهيئة الأركان في عام 1998. 

ووصف تعيين برويز مشرّف رئيساً للأركان آنذاك بأنه "مقامرة" من جانب رئيس الحكومة في ذلك الوقت، نواز شريف، الذي فضَّل مشرف على عدد من كبار القادة العسكريين، في مسعى كان يهدف منه شريف إلى السيطرة على الجيش، الذي يتحكم في مفاصل البلاد منذ الاستقلال.

في عام 1998، وقف مشرف الذي كان قائداً للجيش الباكستاني إلى جانب رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، حيث أشرف مشرّف على تجارب باكستان النووية الناجحة التي مثلت تدشيناً رسمياً لإسلام آباد كقوة نووية معترف بها، وذلك في رد سريع على خطوة مماثلة من الهند، وكان ذلك كفيلاً بارتفاع أسهم الجنرال.


رئيس الوزاء الباكستاني الأسبق نواز شريف الذي انقلب عليه مشرف/رويترز، أرشيفية
في المقابل، كانت شعبية نواز شريف في أدنى درجاتها، في ظل حالة من الركود الاقتصادي (كانت أحد أسبابه العقوبات الغربية على إسلام آباد بسبب تجاربها النووية).

وزاد وضع باكستان سوءاً تفاقم الأزمة في كشمير، في أعقاب محاولة عسكرية باكستانية فاشلة للسيطرة على أراضٍ متنازع عليها مع الهند فيما عرف بأزمة كارجيل، وهي حرب محدودة بدأت عندما استغلت قوات كوماندوز باكستانية انحسار ثلوج الشتاء للتسلل والتحصن بمناطق جبلية وعرة في كشمير كانت تسيطر عليها نيودلهي، مما أدى لمواجهات بين هذه القوات (التي قالت إسلام آباد إنهم مجاهدون كشميرييون وليسوا جنوداً نظاميين) وبين الجيش الهندي (لم تحدث مواجهات مباشرة مع الجيش الباكستاني).

كان مشرف "المهندس الرئيسي" لحرب الكارجيل بين باكستان والهند عام 1999، حسبما يقول سعيد نظير، العميد المتقاعد في الجيش الباكستاني لوكالة الأناضول، وهي عملية عسكرية اتسمت بجرأة وتخطيط عسكري جرئ، ولكنها كادت تؤدي لحرب واسعة مع الهند.

ثم أطاح بنواز شريف بعد أن حاول منع هبوط طائرته
بعد بضعة أشهر من إخفاق العملية العسكرية في كشمير بسبب الضغوط الأمريكية على إسلام آباد لسحب قواتها، كان شريف بصدد عزل مشرّف عن رئاسة أركان الجيش، وهو عائد من سريلانكا، ولكن تحرك الأخير للإطاحة برئيس الحكومة، نواز شريف، مستغلاً الفرصة التي سنحت له لتولي السلطة في البلاد.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 1999، اعتقل كبار الضباط الموالين للجنرال برويز مشرف رئيس الوزراء نواز شريف ووزرائه بعد تقارير عن إحباط محاولة نظام شريف إقالة مشرف من منصب قائد الجيش ومنع طائرته من الهبوط في باكستان أثناء عودته من زيارة إلى سريلانكا.

بعد إطاحته بحكومة شريف، أعلن نفسه "الرئيس التنفيذي" للدولة أو الحاكم التنفيذي للبلاد لغاية 2002، حينما أجبر الرئيس آنذاك رفيق طرار على الاستقالة وأعلن نفسه رئيساً للبلاد.

وعقب استيلائه على السلطة في انقلاب عام 1999، نجا مشرّف من ثلاث محاولاتٍ لاغتياله دبرها تنظيم القاعدة خلال سنواته العشر في الحكم، كما وجد نفسه على خط المواجهة بين الإسلاميين والقوميين الباكستانيين والغرب.

برويز مشرف يقول إن أمريكا هددته بإعادة باكستان للعصر الحجري
كانت اللحظة المفصلية في تاريخ مشرف هي أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي اتهمت الولايات المتحدة في عهد رئيسها الأسبق جورج بوش، تنظيم القاعدة المختبئ في أفغانستان بتنفيذها، حيث كان يحظى بحماية حركة طالبان التي كانت بدورها على علاقة وثيقة مع إسلام آباد وخاصة المخابرات الباكستانية، إذ كانت إسلام آباد والسعودية والإمارات هي الدول الوحيدة التي تعترف بحكم طالبان في ذلك الوقت.

وكان على مشرف أن يختار بين الاستمرار التحالف مع طالبان، وبين الولايات المتحدة التي كانت تريد من إسلام آباد مساعدتها في غزو أفغانستان، علماً بأن واشنطن لا تستطيع قصف أفغانستان أو إرسال قوات لهناك إلا عبر الأجواء والأراضي الباكستانية، لأن أفغانستان دولة حبيسة، وتحيط بها دول مثل إيران والصين معادية لأمريكا، إضافة لجمهوريات آسيا الوسطى والتي تعاونت أيضاً مع واشنطن.

وقال مشرف في حوار عام 2006 إن مساعد وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت ريتشارد أرميتاج قد هدد مدير المخابرات الباكستانية بإعادة البلاد للعصر الحجري إذا لم تتعاون مع الولايات المتحدة في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وشككت مصادر غربية في ذلك الوقت في صحة ما قاله مشرف، وقالت ليزا كورتيس الخبيرة بشؤون جنوب آسيا في مؤسسة هريتيغ للبحوث في واشنطن في ذلك الوقت إنها لا تعرف على وجه الدقة ما قاله أرميتاج، لكنها تتشكك في إمكانية أن يكون هدد بقصف باكستان، كما نفى أرميتاج لاحقاً هذا الكلام.

قرار مشرَّف دعم "الحرب على الإرهاب" التي بدأها الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول عام 2001، كان يعني، ضمنياً، أن مشرَّف في طريقه إلى الصدام مع العسكريين المتعاطفين مع تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، التي طالما اتُّهم الجيش الباكستاني بأنه على صلة بها، حسب وصف تقرير لـ"بي بي سي"، وكذلك أدى ذلك لازدياد السخط الشعبي عليه، سواء بسبب سياسته القريبة من أمريكا، إضافة لطابع حكمه العسكري رغم محاولته إكسابه شكلاً مدنياً، فبعد أن أمسك بزمام الحكم عبر انقلاب عام 1999 الذي أطاح فيه برئيس الوزراء آنذاك نوّاز شريف، أصبح رئيساً بين عامي 2001 و2008.

وطالما وُصف برويز مشرَّف بالسير على سلكٍ شائكٍ، خلال محاولته الحفاظ على التوازن بين الاستجابة للضغوط الأمريكية الداعية لكبح التطرف في باكستان، وبين مطالب الدوائر المعادية للولايات المتحدة في بلاده.

ورغم السخط المحلي عليه بسبب علاقته الوثيقة بالغرب، فلقد اتهم كل من حلف شمال الأطلسي "الناتو" والحكومة الأفغانية مشرّف، مراراً، بعدم بذل ما يكفي من الجهود لوقف تدفق المسلحين المتعاطفين مع القاعدة وطالبان من المناطق القبلية الباكستانية إلى أفغانستان.

وكانت تساؤلات حول مشرّف قد أثيرت، مرة أخرى، عام 2011، حينما تبين أن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، عاش لسنواتٍ في باكستان، غير بعيد عن مقر أكاديمية عسكرية.

كيف سقط رجل باكستان القوي من كرسي السلطة؟
يظهر عزل مشرف التركيبة المعقدة لباكستان وكذلك دور الجيش الباكستاني في سياسة البلاد.

 ويحظى الجيش الباكستاني بأهمية خاصة في البلاد منذ نشأتها، فهو مؤسسة وطنية عابرة للإثنيات في بلد متعدد الهويات واللغات، كما أنه حامٍ البلاد في مواجهة الهند التي تفوق باكستان نحو خمس مرات سكاناً واقتصاداً.

 ورغم هزائمه عدة مرات أمام الجيش الهندي، ولكن يعترف للجيش الباكستاني بالكفاءة والقدرة على إدارة موارده القليلة لبناء جيش كفؤ، كما استطاع بالتعاون مع رؤساء الحكومات المدنيين وعلماء البلاد بناء ترسانة عسكرية محلية تشمل أسلحة نووية وصواريخ وتصنيعاً لطائرات ودبابات بالتعاون مع الصين، إضافة لإدارة المخابرات الباكستانية لملف أفغانستان وكشمير بطريقة تتسم بالدهاء في مواجهة دول أغنى وأكثر قوة مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند وإيران.

لكن هذه الصورة الإيجابية التي يعترف بها الباكستانيون لجيش بلادهم يشوهها دوماً تاريخ مستمر من الانقلابات والتدخل في الشأن السياسي.

كان انقلاب مشرف عام 1999م، هو آخر انقلاب ناجح للجيش الباكستاني وآخرها حتى الآن.

فالجيش الباكستاني رغم قوته وسيطرة قائده برويز مشرف على السلطة لسنوات، ولكنها لم تكن دوماً سيطرة مطلقة، مثلما يحدث عقب الانقلابات في الدول العربية والإفريقية

فبالبلاد الضخمة سكانياً والمعقدة إثنياً ذات الحكم الفيدرالي تمتعت رغم استبداد مشرف بقدر من الحراك في مجال العمل السياسي والمجتمع المدني وبالأخص في مؤسستي القضاء والمحاماة.

وشهدت فترة حكم مشرّف صراعات عدة مع السلطة القضائية، بما في ذلك الخلافات المطوَّلة التي أثارتها رغبة مشرّف المعلنة في البقاء على رأس الجيش والدولة معاً.

وكانت الخطوة التي شكلت نقلة في سياساته إصداره تعليمات في شهر يوليو/تموز 2007 إلى قوات الأمن لمداهمة الجامع الأحمر والمدرسة الإسلامية المجاورة، بعد اتهام طلاب ورجال الدين بشن حملة عنف لفرض تفسير متشدد للشريعة في إسلام آباد؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من مئة شخص.

وعلى إثر اقتحام المسجد وقعت اشتباكات بين الجيش ومسلحين إسلاميين في منطقة القبائل شمالي البلاد، كما جرى تصعيد في العمليات الانتحارية التي لم تكن منتشرة في باكستان حتى ذلك الوقت.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، أقال مشرّف كبير القضاة، افتخار محمد شودري، بعد أن ضاق الجنرال ذرعاً بالقاضي، الذي أبطل عدة قرارات رئاسية لكونها تخالف الدستور، وأصر على أنه لا يحق لمشرف الجمع بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش، في خطوة أشعلت احتجاجات واسعة وشهوراً من الاضطرابات.

وبحلول 24 من الشهر ذاته، أكدت اللجنة الانتخابية الباكستانية انتخاب مشرف رئيساً للبلاد لولاية دستورية ثانية لمدة خمس سنوات.

ولكن أدى الغضب الشعبي المتصاعد من حملة مشرّف على المساجد إلى ظهور حركة طالبان الباكستانية، وشن حملة من التفجيرات والهجمات خلَّفت آلاف القتلى.

ولم يتعافَ حكم مشرف من أزمتي تشودري والمسجد الأحمر، وما لبث أن تدهورت علاقته بالوسط السياسي، وارتفعت الأصوات المطالبة بعزله، وتزايد احتمال تقديم لائحة اتهام ضده.

وازداد موقفه ضعفاً، بعد عودة خصمه نواز شريف من المنفى إلى باكستان عام 2007، وهذه كانت بداية النهاية لعهده.

حاول الجنرال تمديد فترة ولايته عبر فرض حالة الطوارئ في البلاد، ولكن حزبه مُني بهزيمة كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير/شباط عام 2008.

بعد 6 أشهر، اضطر للاستقالة عبر التلفزيون في 18 أغسطس/آب 2008، لتجنب إجراءات عزله التي أطلقها الائتلاف الجديد الحاكم آنذاك، ولم تكن هذه الاستقالة إلا مقدمة لملاحقة قضائية.

تم القبض عليه ومحاكمته عن عدة جرائم، فكيف سافر إلى دبي؟
عاش مشرَّف منذ ذلك الحين بين لندن ودبي، ويُعتقد أنه كسب مئات الآلاف من الدولارات عبر إلقاء المحاضرات حول العالم، لكنه لم يخفِ مطلقاً طموحه للعودة للحكم في بلاده.

عاد مشرف إلى باكستان في عام 2013، في محاولة لخوض الانتخابات لكنه مُنع من المشاركة ومن مغادرة باكستان، حيث خضع للإقامة الجبرية، وواجه سلسلة من القضايا القانونية.

في أكتوبر/تشرين الأول 2013، ألقي القبض على الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف بسبب مداهمة المسجد الأحمر عام 2007 بعد يوم من منحه المحكمة العليا في البلاد بكفالة في قضية أخرى.

وكان يصر على أن جميع التهم الموجهة إليه لها دوافع سياسية.

وواجه مشرَّف عدة اتهامات، من بينها تهم بالفشل في توفير الأمن اللازم لرئيسة الوزراء الباكستانية، بنظير بوتو، التي اغتالتها حركة طالبان عام 2007. كما اتهم تحقيق أجرته الأمم المتحدة في جريمة اغتيال بوتو، عام 2010، حكومة مشرّف بـ"الإخفاق المتعمد" في حماية رئيسة الوزراء الراحلة.

واتُّهم مشرّف بـ"الخيانة العظمى"، بسبب قراره تعليق الدستور عام 2007، ولكن محاكمة مشرَّف، لم تكن سهلة في البلد الذي يتمتع فيه العسكريون بحصانة من الملاحقة القضائية؛ الأمر الذي اضطر السلطات الباكستانية إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمته.

وسُمح لمشرف بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج، على الرغم من أنه كان يواجه اتهامات بالخيانة في باكستان، حيث توجه إلى دبي في عام 2016، ليعيش هناك.

وفي الوقت ذاته، استغرقت محاكمته ما يربو عن خمس سنوات، قبل أن تصدر المحكمة حكماً بإعدامه بعد إدانته بـ"الخيانة العظمى".

ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، قضت محكمة خاصة في إسلام آباد بإعدام برويز مشرف (المقيم بالمنفى)، بعد إدانته بالخيانة العظمى لكونه عطّل الدستور، وفرض حالة الطوارئ في 2007.

وفي 5 فبراير/شباط 2022،  توفي في المنفى بعد معاناة طويلة مع "الداء النشواني"، حيث كان يخضع للعلاج في المستشفى الأمريكي، في مدينة دبي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن أسرته ومصادر دبلوماسية.

رجل المتناقضات، وضابط كفؤ أفسده طموحه السياسي
من قيادة حرب كارجيل في عام 1999 إلى صياغة خطة سلام لكشمير مع الهند في عام 2006، لعب مشرف دوراً مهماً في إعادة صياغة تاريخ باكستان، دور يراه كثير من المعارضين شديد السلبية، ولكن المؤكد أن الرجل الذي وصف بأنه رجل حرب وسلام، كان شخصية جمعت بين العديد من المتناقضات.

فلقد قدم مفهوم الديمقراطية الأساسية، كما سمح بتدفق القنوات التلفزيونية للبلاد، كما عرّف الشفافية في القرارات الحكومية، لكنه بالوقت نفسه علق الدستور وأطاح بحكومة منتخبة.

وفق كثيرين، فإن باكستان البلد النووي لا تزال تدفع ثمن قرار الانضمام للحرب الأمريكية ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2002 في الولايات المتحدة.

لكن يعتقد آخرون أنه لم يكن أمام مشرف خيار آخر، بالنظر إلى المناخ الدولي العام المؤيد للحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان ضد القاعدة وطالبان.

 ويقول أولئك الذين تعاملوا معه، إن مشرف رجل جمع بين الشخصية المُلهمة والشخصية المُحبطة المثيرة للسخط، وبين الأنانية ونكران الذات وبين الشخصية المتواضعة والمغرورة، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.

وبحسب أصدقائه، فهو جندي محترف، لكنه أيضاً شخص يؤمن باستعراض القوة.

وكان مشرف هو آخر جنرال على قيد الحياة شارك في حربي 1965 و1971 ضد الهند.

وحصل على واحدة من أفضل الميداليات العسكرية للبسالة في حرب عام 1965 كعضو في وحدة كوماندوز الجيش الباكستاني – مجموعة الخدمات الخاصة.


مشرف يوصف برجل المتناقضات/رويترز، أرشيفية
لقد دخل  برويز مشرف عالم السياسة بمغامرة عسكرية فشلت لأسباب سياسية هي أزمة كارجيل، ثم استغل فشلها للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب، ثم حاول إدخال إصلاحات في مجال الحريات الاجتماعية وحقوق المرأة لا الحريات السياسية في المجتمع الباكستاني المحافظ، رغم أنه جاء عبر انقلاب عسكري.

ولقد أخفق مشرف في ترسيخ مكانته كرئيس مدني، فيما جاء سقوطه على يد قوى معارضة متناقضة تماماً، تجمع بين خليط من بقايا قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية التقليدية ذات الجذور الإقطاعية (حزب الرابطة الإسلامية) واليسارية (حزب الشعب)، والقيم الديمقراطية والقضائية بعضها إسلامي وكثير منها له جذور بريطانية إضافة للقيم المحافظة الرافضة لسياسته الليبرالية والصديقة لأمريكا.

وبينما استجاب الجيش الباكستاني لانقلاب مشرف على نواز شريف فإنه لم يدافع عن حكم مشرف ولم يتورط في الدماء من أجل بقائه في السلطة، ولكنه رفض أن يوضع في السجن، وها هي قيادات الجيش تنعاه وستعيد جثمانه في طائرة عسكرية على الأغلب، في موقف لا يظهر تناقضات حياة مشرف فقط، ولكن تناقضات التركيبة الباكستانية، التي يتصالح فيها الخصوم السابقون (آل مشرف وقيادات الجيش)، ويتعايش فيها ما هو محافظ مع ما هو حداثي وما هو عسكري مع ما هو مدني، وما هو قاس مع ما هو إنساني.