الديمقراطية الوحيدة..!

أخبار البلد
تحت عنوان "على الطريق إلى تدمير إسرائيل كما نعرفها”، كتب ألون بن مئير: "لقد أثنيت على مؤسساتها (إسرائيل) الديمقراطية ومدحت قضاءها غير الملوث وأعجبت بقوتها الداخلية وبراعتها، وأثنيت على اكتشافاتها في العديد من المجالات وأعجبت بظهورها كقوة تكنولوجية. وعلى الرغم من كل الصعاب، فقد أصبحت إسرائيل دولة قوية، حازمة، وملتزمة بسيادة القانون وتجسد الحرية والمبادئ الديمقراطية في بحر من الدول الاستبدادية”.
وأضاف: "هذا بينما كانت تحقق الكثير من حلم مؤسسيها –على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية العديدة، فإن العديد من الآباء المؤسسين لإسرائيل، بمن فيهم زئيف جابوتنسكي، وتيودور هرتزل، وديفيد بن غوريون، يؤمنون بوطن لجميع يهود العالم مع نظام حكم ديمقراطي، معترفين بأن السكان العرب على الأرض سيبقون هناك على أرضهم”.
يصنف الدكتور بن مئير، صحفي الكيان من أصل عراقي، داعمًا للسلام ومن خصوم اليمين المتطرف، ويعتبر من أشد المتحمسين لمبادرة السلام العربية للعام 2002. وبذلك، يمكن أن تمثل آراؤه "وجه الصندوق” لما يعرضه "معسكر السلام” في الكيان الصهيوني. وكما هو واضح، ينطوي هؤلاء على إيمان عميق بأن الكيان تأسس على الفضيلة المطلقة، ويشكل مثالًا للدولة العادلة السلمية– إلى أن أصبحت هذه الفضائل تحت الخطر مؤخرًا فقط بقدوم حكومة نتنياهو المتطرفة!
يكرر هذا الفهم المؤمن بصلاح الذات خطاب الكيانات الاستعمارية الاستيطانية التي تصر على تجاهل أسسها وطبائعها الإجرامية، وتسويق نفسها كتكوينات معصومة عن الخطأ وحصونًا للإنسانية. وحتى مع أن كذب هذه الكيانات مكشوف وفاضح، فإنها لا تهتم لأن غناها وقوة الإكراه التي لديها تضمن سكوت الآخرين عن تجاوزاتها –بل وتملقها على طريق المدّاحين المأجورين. وبطبيعة الحال، تتحالف هذه الكيانات المتماهية معاً في التكوين والخطاب الإنكاري معاً -ومع الكيانات الاستعمارية غير الاستيطانية التي تتقاسم معها التعالي والعدوانية.
يتواطأ هؤلاء على وصف الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين بـ”الديمقراطية الوحيدة في بحر من الدول الاستبدادية”، مثل بن مئير. وهو ليس "الديمقراطية الوحيدة” بين بحر الدول العربية التي تُعتبر نقيضه الرجعي، وإنما في آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، وكل مكان آخر باستثناء أميركا ودول الاتحاد الأوروبي والناتو. ولذلك منحوه ميزة الانضمام إلى "نادي الديمقراطيات”، وغطوا جرائمه كواحد منهم وشرعنوا وجوده على شرط إنهاء وجود شعب آخر شُرد واضطهد. وحتى صفته كـ”دولة احتلال” غير مشروع بموجب القانون الدولي في الضفة وغزة الجولان، وانتهاكاته لحقوق الشعوب المحتلة في القانون الدولي، يجري التغاضي عنها وتبريرها كـ”دفاع عن النفس”، (نفس الاحتلال).
لا ينبغي أن نستغرب. فـ”نادي الديمقراطيات” هو بالضبط نادي الأمم التي مارست ومجّدت الاستعمار كجزء من واجبها "الحضاري”. وأكدت هذه الأمم دائمًا على تمييز أعراقها وقومياتها وازدراء ما عداها –حتى بينها كما بينت حروبها البينية الدموية. وهي تتصرف باعتبار أن الديمقراطية والحرية حكر على جنسها ولا تليق بالشعوب الأخرى الدنيا. والآن، لا يخفي التحالف المعتقد بالتفوق سوءاته التي تتكشف في شكل كراهية الأجانب، والتفوقية البيضاء، ومناهضة التعددية الثقافية والأقليات، وضمان إفقار الجنوب العالمي، وخلق التوترات والحروب في كل مكان آخر في العالم.
وهكذا، من نفس المنطلقات العنصرية، لا يرى أشباه بن مئير التطهير العرقي للفلسطينيين، واغتصاب أراضيهم وممتلكاتهم، وقتلهم واعتقالهم وإذلالهم، ممارسات غير ديمقراطية. بل يؤكد بن مئير أن "الآباء المؤسسين” للكيان، الإرهابيين بالتعريف وقادة المجازر والتطهير، يتعرضون للخيانة الآن من اليمين الجديد الذي يدمر إرثهم الملائكي، وهم الذين "اعترفوا بأن السكان العرب على الأرض سيبقون هناك على أرضهم”. ويفترض بن مئير، من موقع الإيمان، أن استعمار فلسطين التاريخية وتشريد أهلها – ما عدا الضفة والقطاع- هو قيمة عليا تجسد اليهودية الأصلية والديمقراطية والحكم المثالي.
سوف يتناقض طرح "معسكر السلام” الذي يمثله بن مئير على طول الخط مع رأي كل ذي عين وفؤاد عندما يتعلق الأمر بالحقيقة والزيف. وبالنسبة لابن اللد والرملة وعكا وكل شبر من فلسطين، هؤلاء مستعمِرون يعطون لنفسهم الحق في ما لا حق فيه بقوة السلاح. أما كيف يمكن أن تتفاهم نظرات هؤلاء مع نظرات عربي، فشيء يعلمه أنصار التطبيع ولا نفهمه. سوف يصفق هؤلاء لبن مئير كشخص "منصف”، خاصة وأنه ينتقد ممارسات كيانه في الضفة والقطاع واستمرار احتلالهما، باعتبار ذلك هو العيب الوحيد على طريقة "حلف الزين ما يكمل”!
المطبعون أيضًا، ومنهم فلسطينيون، يشرعنون استعمارًا استيطانيًا إقصائيًا، ويختمون على "إبادة” معظم الشعب الفلسطيني، هوياتيًا وتاريخيًا. وهم أسوأ من بن مئير لأنه منسجم مع ذاته الاستعمارية. وهم، ما مصلحتهم؟
في الحقيقة، ربما يصح قول أن الكيان هو "الديمقراطية الوحيدة”، إذا كانت الديمقراطية تعني تطبيق رؤية يُعتقد أنها تخدم مصلحة الشعب المعني وبقاءه ورفاهه، وتتماهى مع رغباته وتعريفه لذاته. وبالتأكيد، ستكون الكيانات المنفصلة عن ما تعتقد شعوبها أنه الحق وما ترغبه وتؤمن به، محيطًا من الاستبداد.