انهيار للقضاء اللبناني "لم يسبق له مثيل".. اشتباك بين القضاة وفتح سجون عشوائي

أخبار البلد ــ في يوم واحد وفي المكان نفسه، قصر عدل بيروت، شهد اللبنانيون سلسلة تطورات غير معهودة، بعضها يحصل للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وبعضها الآخر بلغ مراحل "سوريالية"، وفق وصف المراقبين، لم تكن واردة الحصول أصلا، تنذر جميعها بأن البلاد وسلطاتها بلغت مرحلة خطيرة من الانهيار المستمر منذ أكثر من 3 سنوات، وتهدد بالفوضى العارمة.  

المشهد الخميس كان كالتالي: انقسام قضائي حاد واشتباك قانوني وكلامي بين قضاة، وسط ادعاءات متبادلة باغتصاب السلطة وفقدان الشرعية. فتح سجون عشوائي وإخلاء سبيل مشتبه بهم دون انتهاء التحقيقات. تخط للنصوص القانونية والصلاحيات واستغلال مناصب لفرض أمر واقع. مرافق وزير يعتدي بالضرب على نواب لبنانيين في الداخل، وفي الخارج المبنى مطوق بالمحتجين الغاضبين الذين يحاولون اقتحام المكان، فيما القوى الأمنية تعتقل محام وتضرب ناشطين.  

اقتحم عدد من أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت مبنى وزارة العدل، الخميس، في وقت قطع فيه عدد آخر الطريق أمام قصر العدل في بيروت، احتجاجا على محاولات عرقلة التحقيقات في ملف تفجير المرفأ، وفقا لما أفادت به مراسلة "الحرة".
في التفاصيل، فقد استفاق اللبنانيون على تصعيد في الاشتباك القضائي القائم بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وقاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وذلك على خلفية اجتهاد قانوني قام به البيطار يسمح له بمتابعة التحقيقات في القضية بعد توقفها لأكثر من عام بسبب عشرات دعاوى كف اليد التي تطالب بعزله عن الملف، أقامها عدد من المتهمين المحسوبين على جهات سياسية نافذة، تطالب بدورها بتنحية البيطار وتتهمه بـ "تسييس التحقيق"، على رأسها "حزب الله" وحلفاؤه.  

من بين الإجراءات التي استأنفها البيطار، كان قرار إخلاء سبيل 5 موقوفين على ذمة التحقيق في القضية والادعاء على 8 آخرين بينهم قادة أمنيين وقضاة، أبرزهم المدعي العام التمييزي، غسان عويدات، باعتبار أنه القاضي الذي تابع قضية تخزين نيترات الأمونيوم في مرفآ بيروت وأمر بإجراء عمليات التلحيم، التي قد تكون المسبب للانفجار.    

وجه القاضي المكلف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، الثلاثاء، اتهامات للمدعي العام الأبرز في لبنان وثلاثة قضاة باتصالهم بالكارثة التي شهدتها العاصمة في عام 2020، وفقا لما نقلته رويترز عن مصدرين قضائيين. 
عويدات تابع اجراءاته التي كان قد بدأها قبل يومين، ردا على قرار البيطار، حيث رفض الاعتراف بها وأحاله إلى التفتيش القضائي، وأصدر قرارا طلب فيه "عدم تسلم أي قرار، أو تكليف أو تبليغ أو استنابة أو كتاب أو إحالة أو مذكرة مراسلة أو أي مستند من أي نوع صادر عن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي، طارق البيطار، لكونه مكفوف اليد وغير ذي صفة".  

وكان عويدات قد ادعى قبل يومين على بيطار بتهمة "التمرد على القضاء واغتصاب السلطة"، وأصدر بحقه قرار منع سفر، كما منع الضابطة العدلية من تنفيذ إشاراته القضائية، وأخلى سبيل كافة الموقوفين على ذمة التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، الأمر الذي بات يهدد بتطيير ملف التحقيق برمته، وفق ما يحذر قانونيون. 

تنفيذ الأجهزة الأمنية لأوامر النائب العام التمييزي اعتبرها المحقق العدلي "بمثابة انقلاب على القانون"، مؤكدا أن "المحقق العدلي وحده من يملك حق إصدار قرارات إخلاء السبيل في القضية، وبالتالي لا قيمة قانونية لقرار المدعي العام التمييزي."

وأعلن البيطار في تصريحات صحفية أنه لن يمثل أمام عويدات، واصفا كل القرارات التي صدرت عنه بالـ "مخالفة للقانون". 

وشدد على استمراره بعمله في ملف انفجار المرفأ وسعيه لتطبيق القانون، مؤكداً أنه "ماضٍ في إجراءاته وبعقد جلسات التحقيق لاستجواب المدعى عليهم في المواعيد المحددة." 

انقلاب على القانون  
وأثار قرار عويدات بإخلاء سبيل كافة الموقوفين في القضية، صدمة وغضبا لدى أهالي الضحايا، الذين نظموا وقفة احتجاجية حاشدة أمام قصر عدل بيروت، مواكبة للتطورات، طالبوا خلالها عويدات بالاستقالة، ومجلس القضاء الأعلى بالتدخل لوقف ما يحصل وإنقاذ التحقيقات.  

واعتبر الأهالي في بيان لهم أن ما حصل هو انقلاب قامت به "السلطة بكافة أشكالها، على القانون وعلى التحقيق". مشددين على "دعم مسار التحقيق الذي استأنفه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، قافزا فوق التعطيل السياسي التعسفي للتحقيق في إحدى أكبر الجرائم في حق الانسانية بالتاريخ الحديث." 

من جهته أصدر ائتلاف استقلال القضاء، الذي يضم مجموعة كبيرة من القانونيين والمحامين والناشطين الحقوقيين، ندد بقرارات عويدات، واعتبر ما حصل "انقلابا حقيقيا على الشرعية القانونية والقضائية، محذرا من أي مسّ بسلامة المحقق العدلي طارق بيطار أو كرامته، أو أي عبث في ملف التحقيق والأدلة المتوفرة فيه، داعيا إلى إقالة فورية للنائب العام التمييزي "بعدما بات يشكل تهديدا حقيقيا على النظام العام والسلامة العامة".