فقد النصاب يانواب
شهدت المجالس النيابية، ومنها المجلس الحالي وجود نواب يقبضون رواتب ومكافات ومياومات ويعفون من جمارك السيارات ولا يعملون بحجم المامول وهي وجهات نظر سمعناها على لسان البعض . فمن هؤلاء من يتغيب عن الجلسات ومنهم من يدخل ويخرج متى شاء ومنهم من يثبت وجوده شوفيني وشوفي مقفاي ومنهم من ينتظر على باب المجلس يتصيد الوزير الفلاني اختم امضي وقع ومنهم من يجلس لاقاربه حتى يعلن الجرس نهاية الحصة
ومنهم من يستهين بممارسة مسؤولياته المؤتمن عليها من الشعب بتفضيله السياحة في بلاد الله الواسعة غير خائف من عوز او فاقه فتعويضاته الشهرية يمكن ان تدرأ عنه عاتيات الزمن. فكيف يمكن قراءة هذه الظاهرة وأسبابها على ضوء المفاهيم والقيم الدستورية؟ وماذا يعني أن يدعو رئيس المجلس النيابي رؤساء ومقرري اللجان الى تفعيل عمل اللجان اليوم وأن يطير اجتماع اللجان النيابية المشتركة في اليوم التالي؟
هذه صور مما نسمع ونرى ومشاهد ماثله ناهيك عن حرص الرئيس على كتمال النصاب بكسر النون وصراخه الدائم فلان مافي نصاب فلان ارجع فلان وقف فلان وين
من حيث المبدأ لا يعتبر الدستور التغيب عن جلسات المجلس فعلاً مداناً لا بل قد شرعه ضمناً عندما فرض نصاباً معيناً لانعقاد الجلسة، الأمر الذي يعني ان المشترع قد أخذ في الحسبان إمكان التغيب من دون ان يضع ضوابط له أو غرما عليه
وكان هذا منطقياً باعتبار ان النائب يمثل الشعب الذي قد اختاره، ولهذا فقد ترك مساءلة النائب وغرم تغيبه لمن أولاه تمثيله. ولا بد من الإشارة هنا إلى ان مقاطعة النائب الجلسات لا تكون في كل مرة فعلا مداناً، ذلك أنه قد يعبر عن موقف لتعطيل النصاب من أجل منع إقرار مشروع أو مناقشة قضية مدرجة على جدول الأعمال، علما أنه من المفيد التمييز بين التغيب ـ الموقف والتغيب المعبر عن الاستهتار بالمسؤولية النيابية، وهذا يكون من خلال إعلان أسباب الغياب.
وإذا كان المشرع الدستوري قد تعامل بصدر رحب مع ظاهرة غياب النائب عن الجلسات وتحمل مسؤولياته كممثل للشعب فإن المجالس النيابية المتعاقبة قد ضاقت ذرعاً بهذا الغياب فحاولت ضبطه بقدر المستطاع.
ففي النظام الداخلي كان تخلف النائب من دون عذر عن حضور الجلسات «يستلزم حكماً
ان ظاهرة الغياب من نواب يتواجدون على ارض الاردن (غياب من دون عذر أو لأسباب متصلة بقضية قيد المناقشة) مفهوم الى حد كبير
ويمكن رصد بعض الانفصام بين المفهوم الصحيح الذي يبرر عدم مساءلة النائب عن تغيبه عن الجلسات وممارسة مهامه وبين واقع بعض النصوص الدستورية التي تسمح بعدم الانجرار في المطلق لهذا المفهوم الصحيح، فالنائب كونه «يمثل الأمة جمعاء» لا يجوز له أن يتقاعس عن تمثيل الأمة لإدارة شؤونها. كما أن الحصانة النيابية المعطلة للإجراءات الجزائية، بحق النائب لا تظهر إلا في دور الانعقاد.
ان انعقاد المجلس يوفر للنائب الحصانة ولكن النائب المستفيد من دور الانعقاد لا يساهم في انعقاد المجلس نفسه. المشكلة القائمة هنا ليست في إعطاء المجلس حق مساءلة النائب المتغيب كما كانت النصوص في بعض الأنظمة الداخلية السابقة إنما في اهتراء الرقابة على التمثيل النيابي من الجهة التي خولت نظامياً ممارسة الرقابة على المتغيبين أي الذين أولوا المرشح للنيابة تمثيلهم.
pressziad@yahoo.com