اللهم إننا نسألك رحيلاً قريباً للحكومة....

وإن طال صمتي فإنني حتماً لن أسمح بضياع الكلمات بين يدي ، وإن كنت عازفاً عن التعبير عما بداخلي فلأن فعزوفي قد انتهى، وها هو قلمي يعود ليخط الكلمة الصحيحة والتي لا أخشى فيها لومة لائم .
والحديث هنا لن يخرج عن السياق أو يتجاوز الخطوط بجميع ألوانها ، وبنفس الوقت سينصب على الحكومة المنتهية ولايتها منذ تشكيلها ، والسبب ليس خافياً على أحد في أردننا الأغلى ، فالمزارع في الأغوار والمتقاعد العسكري الذي يقف في برد الشتاء يحرس مصنع ما بعد خدمة طويلة وراتب ضئيل والمعلم البائس وغيرهم الكثيرين ممن ظلمتهم السياسات الحكومية الخاطئة وجمعهم دعاء واحد الا وهو " اللهم نسألك رحيلاً قريباً للحكومة.
لماذا....؟ هناك أسباب عديدة تجيب على هذا التساؤل سأذكر بعضاً منها في هذا المقال :-
أولاً – فشل الحكومة الذريع في تحقيق أي تقدم في مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي والتي دعا إليها راعي المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ، فالشارع ما زال نابضاً بالحراك وقطاعات عديدة على موعد مع إضرابات وأزمات ستؤثر سلباً على الجميع.
ثانياً - لم تستطيع الحكومة حتي الآن من معالجة ملف الفساد بشكل فعال ، فرغم البدء بالتحقيق في عدد من القضايا أهمها ملفات أمانة عمان وملف مدير المخابرات السابق محمد الذهبي وتشكيل بعض لجان التحقيق النيابية في قضايا أخرى لم يتم الإنتهاء منها ولن تنتهي لوجود نية لحل المجلس قريباً ،إلا أن هذه القضايا تشكل جزأً يسيراً من حجم ملف الفساد بأكمله ، بالإضافة لوجود ضغوطات كبيرة تمنع الاقتراب من رموز كبيرة للفساد .

ثالثاً- فشل الحكومة في تحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية وذلك من خلال مشروع هيكلة الرواتب المشؤوم ، حيث زاد الغني غنى وزاد الفقير فقراً وأصبح القطاع العام مقسماً لطبقات وأصبح المعلم صانع الأجيال وباني نهضة الأمة في أدنى طبقة و حرم من أبسط حقوقه المكتسبة التي لو كانت تدفع من جيب الوزير الفلاني أو الوزير العلاني لصمت الجميع ولكنها مكرمة ملكية سامية ستعود رغماًُ عن أنوفهم ، فالهاشميين إن أعطوا لم تلد النساء بعد من يبخس بعطائهم .
وفي ذات السياق كم كنا نتمنى أن ينتهي الغياب الواضح لرئيس الوزراء عن هذه القضية واللامبالاة ويكلف نفسه ولسانه بتصريح يطمئن المعلمين الذين أعلنوا الإضراب العام في بداية دوام الفصل الدراسي الثاني ويؤكد فيه أنهم جزء هام وحجر زاوية في بنية المجتمع لا أن يترك التصريحات لوزير تناسى أنه تتلمذ على يد هذه الفئة العزيزة على قلوبنا .

رابعاً – التباطؤ في تحويل قوانين هامة وناظمة للحياة السياسية كقانون الإنتخاب لمجلس النواب ، فمثل هذا القانون وغيره يحتاج لوقت لدراسته ومن ثم مناقشته تمهيداً لإقراره والعمل به في الإنتخابات النيابية قبل نهاية العام ، كذلك التسرع في إقرار قوانين مثيرة للجدل منها قانون المالكين والمستأجرين الجديد الذي يهدد في شل القطاع التجاري كما حصل في العقبة قبل ايام.

خامساً - فشل الحكومة في التصدي للمؤامرة الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن ، حيث نجح الإسرائيليين في حشد التأييد في الكونغرس الأمريكي لمشروعهم ولسنا ببعيدين عن تصريحات جون كيري في هذا الصدد ، ولولا الجهود الجبارة لجلالة الملك وذكائه وحنكته السياسية لتمادت إسرائيل لأبعد من ذلك .

سادساً – عقد صفقات خلف الكواليس مع فئة واحدة من الحراك الشعبي "الإخوان المسلمين" وتناسي بقية الفئات وخاصة الشباب الذين يمثلون النسبة الأكبر والأكثر إنتشارا في ربوع الوطن ، فحراك الشباب ليس مقتصراً على العاصمة عمان وفي ساحة المسجد الحسيني فقط ، بل لكل محافظة يوجد حراك سلمي راقي يعبر عن مطالبه بعيداً عن الفوضى والتجييش.


سابعاً – تتفاخر حكومتنا بالعدد الكبير للمسيرات والإعتصامات والمظاهرات والتي تجاوزت الخمسة ألاف فعالية وهي ظاهرة صحية ولكنها تناست أن العبرة ليس بالكثرة أو بطريقة التعامل معها بقدر ما هي تلبية مطالب الحراك دون تمييز أو تأخير وبما يضمن هيبة الدولة والنظام .

ثامناً – غياب التجانس والتنسيق بين رئيس الحكومة ووزرائها ، حيث تعامل عدد كبير من الوزراء بقضايا تخص وزاراتهم دون الرجوع للرئيس وظهر جلياً الأنانية والشخصنة في التعامل فيها ، وخير دليل على ذلك بعض الإعتصامات والإضرابات التي سببها هؤلاء ومنهم وزير تطوير القطاع العام الذي سيحرم الآلاف من الطلبة من حقهم في التعليم ، كما أننا في حيرة من أمرنا لكثرة التصريحات من بعض الوزراء الذين نظن أنهم رؤساء حكومة في الظل .

تاسعاً – غياب الخبرة السياسية والاقتصادية لدولة الرئيس الذي نحترمه ونفتخر بتاريخه في القضاء الدولي ، وتمسكه بعدم التعديل على حكومته وإدخال عناصر خبرة في هذه المجالات ممن عرف عنهم النزاهة والإستقامة قادرة على مساندته في هذه الملفات الهامة .

ومما سبق هذه ليست كل الأسباب ولكنها تشكل نقطة إجماع في الشارع الأردني على فشل حكومي ذريع حله بالتغيير، والأسابيع المقبلة ستحمل مفاجأت عديدة وسارة لللأردنيين لا يعلم فيها سوى الله عز وجل و جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم الذي إستطاع بذكائه أن يبث رسائل هامة ومطمئنة للداخل الأردني وخاصة مؤسسات المجتمع المدني وللشارع بشكل عام وبنفس الوقت رسائل أعتقد انها للحكومة بشكل خاص وكفرصة أخيرة لها وللخارج إقليميا ودولياً .


Wajdi008@yahoo.com