المُستعمِرون «لا» يطلبون «الصفح»: الرجل الأبيض في غطرستِه واستعلائِه

 
أخبار البلد- أعاد اعلان الرئيس ماكرون «رفضه» طلب «الصفح» من الشعب الجزائري الشقيق عن استعمار بلدهم الذي استطال لقرن ونيف (132عاماً)، أعاد الرفض الفرنسي المتغطرس حال «التأزّم» الى العلاقات الجزائرية الفرنسية, خاصة ان ماكرون نفسه أعربَ في المقابلة المُطولة التي أجراها معه الكاتب الجزائري الفرانكفوني/كمال دوا في صحيفة «لوبوان «الفرنسية عن «أملِه» في استقبال الرئيس الجزائري/عبد المجيد تبّون في باريس هذا العام,... لـ«مُواصلة العمل وإياه على ملف (الذاكرة والمصالحة) بين البلدين. ما يزيد من الإعتقاد بل الثقة بأن الرئيس الفرنسي مُصِرّ على مواصلة النهج الذي سار عليه أسلافه من الرؤساء الذين تولّوا السلطة في الجمهورية الفرنسية الخامسة, التي أقيمت في عهد الجنرال ديغول قبل 65 عاماً/1958 اي قبل اربع سنوات من استقلال الجزائر, إذ رفضَ الرؤساء الذين تعاقبوا على قصر الإليزيه منذ جورج بومبيدو حتى فرانسوا هولاند تقديم اعتذار كهذا. بل إن أحدهم/ ساركوزي لم يتردّد في القول بفجاجة وغطرسة:"إن الأحفاد لا يعتذِرون عمّا فعله الأجداد", وها هو ماكرون يُعيد العبارة ذاتها ولكن بكلمات مُنمّقة بالقول: لست مُضّطراً الى طلب الصفح، هذا ليس الهدف, فالكلِمة – أضاف - ستقطع كل الروابط مواصلاً, القول في ثرثرة مَقيتة وهروب الى الأمام..«أسوأ ما يمكن ان يحصل - هو أن نقول: نحن نعتذر، ثم – استطردَ - يذهبُ كل في سبيله، مُشدّداً على أن «عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب.. إنه عكس ذلك تماماً». ولم يقُل لقراء الصحيفة الفرنسية ولا للجزائريين ما الذي يريده أو ما هو بديل عدم الإعتذار, بل مضى الى القول في مفردات ومصطلحات تهكّمية مُبهمة:إن عمل الذاكرة والتاريخ يعني «الإعتراف» بأن في طيّات ذلك أموراً لا تُوصف، أمورا لا تُفهم، أموراً لا تُبرهَن...أموراً «ربما» لا تُغتفَر».

يريد ماكرون طيّ صفحة الإستعمار الفرنسي المُلطّخة بالدماء والقهر ونهب الثروات, وتحويل الجزائر أرضا وشعباً الى ساحة قتل وخراب وتجارب نووية في صحرائها, دون أن يعتذر ودون تلاوة فِعل الندامة, وخصوصاً دون أن يطلب صفح أُسرِ المليون ونصف المليون شهيد ومئات الآلاف من المصابين والمُشوهين والمفقودين, فيما هو تحديداً ودولته يُضفون القداسة على ضحايا الهولوكوست ويُجرّمون مَن يُنكرها, بل ومَن ينتقد إسرائيل أو الحركة الصهيونية العنصرية, ناهيك عمّا دفعته ألمانيا (بما هي وريثة النظام النازي) من تعويضات نقدية مليارية لإسرائيل وورثة ضحايا الهولوكوست. ناهيك عن صفقات الأسلحة الضخمة والحديثة التي زودّتها لإسرائيل منذ عهد المستشار أديناور حتى الآن, وخصوصاً في عهد المستشارة ميركل التي منحتها مجاناً ثلاث غوّاصات نووية حديثة, فضلاً عن تخفيضات سخِيّة في أسعار 4 غوّاصات نووية ليصبح لدى اسرائيل الآن «7» غوّاصات, ليست في حاجة ماسّة الى من 3-4 غوّاصات على ما قال قادتها العسكريون, بعدما تورّط نتنياهو في صفقة فساد عند التعاقد عليها لصالحه وأحد مُقرّبيه».

دون أن ننسى أو نغفر ما قالته رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي, عندما رفضتْ الإعتذار في مناسبة الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور/1917-2017, قائلة باستكبار وصَلف: أن بريطانيا «تفخَر» بدورها في ايجاد دولة اسرائيل. فيما أتحفنا الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخّراً, بتفاخُرِه هو الآخر عند استقباله رئيس الكيان الصهيوني/اسحق هيرتسوغ في البيت الأبيض أواخر نيسان الماضي, بأنه (لو لم تكُن إسرائيل موجودة, لكان علينا «إختراعها»).ٍ

بل أن الدول الإستعمارية الأربع: الولايات المتحدة, فرنسا، ألمانيا وبريطانيا, التي تقود ما يُوصف زوراً المجتمع الدولي أو العالم الحُر،هي التي ترفض الإعتذار عن ماضيها (وحاضره) الإستعماري, بلولا تتوقف للحظة واحدة عن صدع رؤوسنا بضخ المزيد من الأكاذيب, عن حقوق الإنسان والقانون الدولي وإنفاذ القانون والعدالة الإنتقالية, وغيرها من المفردات والمصطلحات التي ليس فقط لا تلتزمها عمليّاً, بل وخصوصاً مُواصلتها عسّكرة العلاقات الدولية وشن الحروب خارج إطار الأمم المتحدة وتدبير الإنقلابات ونهب ثروات الشعوب.

برفضه تقديم الإعتذار يعيد ماكرون العلاقات الفرنسية الجزائرية الى نقطة الصفر, خاصّة أنه هنا يلتقي بل يُعيد «الإعتبار» أيضاً للتقرير الذي كان أعدّه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا (بناء على تكليف ماكرون نفسه) الذي دعا فيه/ستورا الى «القيام بسلسلة مُبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين» دون ان يُقدِّم اي «توصية» مجرد توصية, بتقديم الإعتذار وهو ما تُطالب به الجزائر وتُصرّ عليه, ولا نحسب ان موقفها قد تغيّر أو يُمكِن ان يتغيّر.

فكيف إذاً يُمكن ان يتحقّق «أمل» ماكرون بـأن يتمكّن الرئيس تبّون من القدوم إلى فرنسا في هذا العام, لـِ«مُواصلة عمل صداقة (...) غير مسبوق», ردّاً الزيارة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر في آب2022, على ما «تمنّى» في المقابلة ذاتها؟.